الثلاثاء، 28 ديسمبر 2010

أيام زمان - القرية البحرينية وغياب الخدمات ..

قديماً ونتيجة لعدم توافر الخدمات كـ "الكهرباء والماء" كان الناس في عموم القرى البحرينية و قريتي" كرزكان " خاصة يعتمدون على النار لإنارة المكان. هذا بالنسبة إلى سُكناهم في المظاعن، وبخصوص إنارة البيوت كانوا يستخدمون اللمبة (1) أو"الفنر(2)" بالإضافة إلى أن النساء كنً يجمعن الحطب بشكل دائم، في فصل الصيف يجمعن كميات كثيرة لادخاره لفصل الشتاء سواءً للطهي أوالتدفئة حيث كانوا يطلقون عليه " السجرة ، الحّماية ".

أما بخصوص الماء فكان الساب (مجرى الماء الذي ينتفع منه عموم الأهالي في القرية آنذاك) هو المصدر الوحيد للماء في القرية. ففي لقاء مشترك مع الحاج ملا حسين الفردان وأخته الحاجة آمنة أم عبدالرسول، وهما في نهاية العقد السابع من العمر تقريباً، ركزا من خلال هذا اللقاء على هذه المرحلة التاريخية "فترة الساب وما بعد الساب"، حيث بدأ الحاج حسين حديثه بالقول: في زماننا كان كل الناس يعتمدون على الساب بشكل كبير لعدم وجود المياه في المنازل.


والساب العتيق يعتبر من عجائب الزمان، كان عمقه نحو 35 - 40 قدماً في بعض المواقع، تأتي إليه المياه من الجبال الواقعة جنوب عالي شمال سافرة شرقي منطقة اللوزي تقريباً وبالتحديد من منطقة موقع مدينة حمد حالياً، وهذا الساب يجري عبر أراضٍ صخرية منحوتة، وخلال عبوره للقرية توجد على جانبيه مقاعد صخرية للجلوس ومحلات للطبخ وحمامات للنساء والأطفال وأخرى للرجال، وأما البيوت التي يمر بجانبها أو خلالها فتتخذ منه مصدراً للماء، وكذلك مكاناً لرمي القمامة والقاذورات ولكن بسبب قوة اندفاع مياهه وشدتها تتسع معه كل ما يرمى فيه وكانت الحكومة آنذاك تحبس مياهه عن الاراضي المنخفضة (النخيل والبساتين) وفي مساء الخميس من كل أسبوع تطلق صفارة الإنذار إيذاناً لوجوب ابتعاد الأهالي عن المجرى لأنه سيفتح على الأراضي المنخفضة لري البساتين فيهرع الموجودون في بحيرته إلى ترك البحيرة.



الهوامش:


(1) اللمبة : هي عبارة عن علبة معدنية صغيرة يوضع فيها الكيروسين وعليها بعض التمر وتتدلى منها فتيلة مصنوعة من خيوط " الخيشة " ، متصلة بالكيروسين ، ويتم إشعالها للحصول على الضوء.


(2) الفنر : مصباح يوضع بداخله الكيروسين ، وقطعة على شكل حزام قطني عرضها بوصتان تقريباً. .( جاسم أل عباس ، محطات من ذاكرة المعامير ، البحرين ) .

- مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي ( قيد النشر ) - أمينة الفردان ..

السبت، 25 ديسمبر 2010

المرأة القروية في البحرين والإنجاب - مقارنة بين جيل الجدات وجيل الشابات:



يُعَدُّ مبدأ التكاثر (كثرة الإنجاب) من المبادئ والمفاهيم التي تغيرت على مدى سنوات؛ ففي الأزمنة القديمة كان هذا المبدأ سارياً في الأرياف والقرى في مختلف بقاع الأرض، وبخاصة في المجتمعات التي يغلب عليها طابع البساطة والأمية والفقر في آن واحد، حيث أن "كثرة الإنجاب" معزز للرجولة ومعزز في الوقت نفسه للأنوثة (أصيلة) ويُعَد العامل الاقتصادي "الأساس" لمبدأ التكاثر حيث المساهمة الاقتصادية للأبناء (الذكور) في إعانة عوائلهم.

وبتسليط الضوء على مملكة البحرين وتحديداً (مجتمع القرية) نجد أن مبدأ التكاثر كان سارياً لدى جداتنا وأمهاتنا قديماً، كانت النساء تنجب الكثير من الأولاد الذين يكاد عددهم يفوق العشرة، أما الرجل فكان يتزوج بأكثر من زوجة، ويختار من تنجب له الأولاد " الذكور " بحيث يركز في اختياره على نساء أرامل (لديهن أولاد من أزواجهن) أو اختيار الزوجة من العوائل الوَلادة.

ومن الطرق التي يلجأ لها البعض في اختيار زوجة المستقبل التي ستنجب له العديد من الذكور هي النظر لشجرة عائلة زوجة المستقبل حيث يعتقد هؤلاء أن هناك نساء تلد أولاد بنسبة أكبر وأن هناك نساء تلد بنات بنسبة أكبر وهي من الأمور التي اعتبرت من الحقائق التي سلم بها أفراد الجيل القديم وربما حتى يومنا هذا حيث يزعمون أن المرأة هي التي تحدد الجنس وليس الرجل ، وقد وجد هذا الكلام طريقه للتراث الشعبي وتم اختزاله في مجموعة أمثال و " معيار " أي ( سباب وشتائم ) فأبنة أم البنات لا تلد إلا البنات وهناك من أفراد الجيل القديم في البحرين من النساء والرجال من يحتقرون البنت فلا يسمونها إلا " فشنة " وجمعها " فشنات " فتسمع بعضهن تقول " فلانة جابت فشنة " وأخرى تقول : " فلانة .. أم الفشنات " ، وكذلك " بت أم الفشنات ما تجيب إلا فشنات " و " ... أم فشنات على أمها ... " .(1)

تلك النظرة والرغبة اللا متناهية " في حب انجاب الذكور" لم يقتصر على الرجل فقط ، فهناك الكثير من النساء من لهن ذات النزعة ، فمن تنجب الذكر أويتوفر لديها حليب الرضاعة يطلقن عليها " أصيلة " أو التي لا يتوفر الحليب في ثدييها " فارسية " أي "غير أصيلة ". وتلك المصطلحات إنما تضمر " مضامين عنصرية " ( بحرينية " اصيلة " أو فارسية " غير أصيلة " ).

ثقافة "حب انجاب الذكر" هي السائدة في ذلك الوقت خصوصاً أن الأبناء كانوا هم السند لآبائهم من الناحية الاقتصادية والاجتماعية . فمن الناحية الاقتصادية مثلاً كانت تلك العوائل تعتمد بشكل كبير على أبنائها في العمل الزراعي (حرفة الآباء والأجداد)، أما من الناحية الاجتماعية فإن هؤلاء الأبناء (الذكور) سوف يحملون اسم الأب. فيما بعد ونتيجة لما لحق بهذا المجتمع من تغيير سواء فيما يتعلق بـ (ارتفاع متوسط سن الزواج نتيجة لتعليم الإناث و عمل المرأة، وما تبعه من تغيير فكري ، ثقافي لشريحة كبيرة من هذا المجتمع " رجالاً ونساءً " خصوصاً بعد أن أثبتت الإناث بشكل ملموس قدرتهن على القيام بما يقوم به الذكور ، فمن الناحية الاقتصادية أصبحت الإناث هن المعيل للاسرة ، هذا التحول الكبير أدى إلى تغير النظرة السلبية " المتوارثة " في المجتمع إزاء الانثى ، بل أصبحت العوائل تفتخر بـ " البنات " وانعكست الصورة " ايجاباً " لصالح الأنثى بعد أن اثبتت التجربة " لدى الكثير من الآباء والامهات " بأن البنت تحمل من العاطفة " ما لا يحمله الولد " فلا تبخل على والديها بما لديها " من الناحية المادية". خصوصاً بعد أن أصبحت مستقلة " اقتصادياً " ، وتحسن وضعهها أدى إلى تحسن وضع الأسرة ككل.

أما فيما يتعلق " بالإنجاب بشكل عام " فإن الحالة الاقتصادية " الصعبة " لدى الكثيرين وعدم القدرة على تربية الكثير من الأولاد " في وقتنا الراهن " نتيجة لطبيعة هؤلاء الأولاد ومتطلباتهم ومشاكلهم المختلفة نوعاً ما عن الجيل السابق . كل ذلك وغيره شكّل محوراً أساسياً في تغير هذا المفهوم لدى الكثير من منتسبي هذه القرية (ومنهم المرأة)، حيث أصبحت المرأة في السنوات الأخيرة تنجب ما يقارب (3 - 4 أولاد) فقط ، أما بالنسبة إلى المرأة العاملة فقد يكون العدد أقل من ذلك، لكن هناك بعض الحالات التي من الممكن أن ترتفع حصيلتها لتصل إلى أكثر من ذلك (في حال كان جميع من لديها من جنس واحد) كأن تكون لديها بنات فقط وتريد ولداً أو العكس.

هذه الثقافة والمستوى من التفكير الذي وصل إليه تفكير الناس في هذا المجتمع ومنهم النساء فيما يتعلق "بالتقليل من نسبة الإنجاب" أصبح شائعاً في السنوات الأخيرة، أما المرأة التي تنجب الكثير من الأولاد فيطلق عليها باللهجة البحرينية (مالت لوّل) وهي جملة تحمل في مضمونها استنكاراً لتلك المرأة الوَلادة على طريقة الأمهات والجدات.

وفي لقاء مع الدكتور محمد منصور "أستاذ علم الاجتماع بجامعة البحرين" قال: إن كثرة الإنجاب قديماً مرتبط بأسباب وعوامل اجتماعية كـ طبيعة النظام القبلي والعائلي والمكانة الاجتماعية التي كانت تتحدد بكثرة الأولاد، أما الآن فتراجع فكر العصبية أو القبلية بالإضافة إلى أن المكانة الاجتماعية أصبحت تتحدد بالمستوى الاقتصادي والتعليمي للأفراد.

كل ما قاله هنا ينطبق بالفعل على مجتمعنا القروي؛ فالواقع يقول بأن المجتمع تغير بشكل كبير حيث أصبح الكثير من الشباب والشابات يعارضون كثرة الإنجاب كما كانت أمهاتهم وجداتهم، هؤلاء الشباب أصروا على أن لا رجعة إلى الزمن الذي يقول بكثرة التناسل مهما كانت الأسباب والمبررات.

الهوامش:
(1) حسين محمد حسين ، ثقافة حب انجاب المولود الذكر في البحرين ، مجلة الثقافة الشعبية ،العدد 10 ، ص 58 ، 2010 ، البحرين .

مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي ( قيد النشر ) / أمينة الفردان ..

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

مقتطفات من كتاب " رمزية الألوان " - الأسود المرتبط بالشعائر الحسينية ..

يمثل اللون الأسود رمزية خاصة للمرأة الشيعية في البحرين ، حيث الشعائر الحسينية التي تدل على الحزن والأسى على ما أصاب حفيد رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار. وتستعد النساء بشكل خاص لتلك المناسبة وذلك عن طريق قيام النساء قبل أيام من محرم الحرام بالاستعداد لإحياء عاشوراء الإمام الحسين بشراء الملابس السوداء لهن و لأبنائهن بالإضافة إلى شراء عصابات الرأس للأطفال (الخضراء، الحمراء والسوداء المكتوب عليها يا حسين / يا شهيد).

هذا بالإضافة إلى أن النساء يقمن بتجهيز خزانات الملابس في المنزل حيث يعملن على تخزين الملابس الملونة واستبدالها بالثياب السوداء الخاصة بالحداد على مقتل الحسين وأهل بيته، الخاصة بشهري (محرم وصفر) حتى اليوم الثامن من ربيع الأول(بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (ع)، وذلك للدلالة على الحزن والأسى على أهل البيت (ع).

وقديماً كان الأهالي يغلفون جهاز التلفزيون ويتم وضعه في (الكارتون) أو يتم حفظه بعيداً عن متناول أفراد العائلة وخاصة الأطفال ولا يستخدم إلا بعد انقضاء الأيام العشرة الأوائل من شهر محرم (الأيام التي قتل فيها الإمام الحسين، وفي بعض الأحيان بعد انتهاء شهري (محرّم وصفر) ولكن هذا الأمر تغير مع ظهور الفضائيات الشيعية والتي تحيي مراسم عاشوراء الحسين وتقوم بالتغطية الشاملة والمباشرة من كربلاء المقدسة للشعائر الحسينية. حيث يحرص الأهالي على متابعة تلك الفضائيات باستمرار.

ومن جهة أخرى هناك من هيأ نفسه للمساهمة في وضع السواد وإزالة كل مظاهر الفرح (خادمات الإمام الحسين)  واستبدالها بالقماش الأسود والذي يغطي كل ركن من أركان المأتم سواء الحائط وحتى الطاولة والمنبر والساعة وغيرها ، ثم وضع الشعارات واللافتات والهتافات الحسينية والكلمات والعبارات الحسينية المعبرة عن الفاجعة فوق ذلك السواد وتكون تلك الشعارات لها دلالات خاصة عند الشيعة حيث تظهر فيها بعض الألوان المعبرة عن الفاجعة كاللون الأبيض (الخيول، الحمامة، لباس الأئمة الأطهار) حيث يرمز ذلك اللون إلى السلام والطهارة والنقاء والصفاء، وكذلك اللون الأخضر الذي يغلب على بعض الشعارات مثل كتابة أسماء الأئمة على بعض اللوحات والشعارات وكذلك الأعلام، بالإضافة إلى بعض الملابس التي تكسو آل بيت رسول الله، واللون الأخضر عادة ما يرمز إلى الانتماء إلى أهل البيت وكذلك يرمز إلى الجنة والنعيم، أما اللون الأحمر فيمثل الدم (من خلال صور الدم الموجودة في تلك الشعارات واللوحات الحائطية، ومن خلال الأعلام الحمر التي ترمز للثورة على الظلم وهناك اللون الذهبي (الأصفر) والموجود بقوة في تلك الشعارات (السيوف، الرماح، القباب) فاللون الذهبي يبرز النور والضياء ويرمز للشمس والذهب.

مقتطفات من كتاب " رمزية الألوان عند المرأة الشيعية في البحرين " - أمينة  الفردان- دار نينوى .

الأحد، 5 ديسمبر 2010

حراك موسمي قل نظيره - استعداداً للأسى

إستعداداً لموسم عاشوراء - يقوم الناس في أغلب مناطق وقرى البحرين هذه الأيام بنشر السواد في المآتم ، والمساكن ، والشوارع .. الخ.
وفي جولة سريعة لبعض المناطق البحرينية استطعت أن أرصد حالة الحماس والجهد المضني بين جميع الفئات العمرية التي أصبحت تشارك بفاعلية.
فكانت لي جولة تفقدية لمدة أربعة أيام تقريباً في قرية كرزكان رصدت خلالها جماعات تنشر السواد والأعلام والبوسترات الحسينية بعباراتها المعبرة عن المصاب والأخرى التي تتخذ من عاشوراء شعلة تضيء الدرب.
وقسم آخر من الناس - كانوا يقومون  بإخراج أواني وحاجيات عاشوراء " للعام الماضي "  وتجهيزها وتنظيف " المخزن المخصص لها " لإمداده بالمزيد.
أما في قرية المالكية المجاورة فلا يختلف الوضع كثيراً .. حيث رأيت الأعلام السود مع بعض الأعلام ذات اللون الأحمر والأخضر والتي لها مضامين عاشورائية ذات الصلة بـ " واقعة الطف " بالإضافة إلى جماعة أخرى كانت تقوم بعمل " مجسمات فنية " تعبيراً عن الواقعة.
وفي قرية دمستان .. كانت الإعلانات أقل كثافة من المناطق السابقة الذكر.. إلاّ أنّ هناك لوحات إعلانية تشير إلى مشاركات لـ رواديد حسينيين من خارج البحرين كـ"جليل الكربلائي".. عراقي الجنسية، بالإضافة إلى ذكر من سيساهمون في القراءة الحسينية لهذا العام.
وعند وصولي إلى " سوق واقف " لاحظت وجود إعلانات كبيرة بأسماء الشيوخ " قراء الرثاء الحسيني وكذلك الرواديد " لكل منطقة على حدة.
وبالنسبة لمنطقة بوري – رفرفت  الأعلام السود الممزوجة بأعلام حمراء ، وخضراء غطت القرية بكثافة.
 بالإضافة إلى الإعلانات الخاصة التي وضعت على كل مأتم والتي تحدد الرواديد والقراء الحسينيين لهذا الموسم " العاشورائي " بالصور والأوقات.
وفي جولة سريعة على " مدينة حمد " الدوار الرابع ، استطعت أن أرصد الحالة نفسها - حراك عاشورائي قلّ نظيره – نشر للسواد استعداداً للمصاب. وهذه الحالة بالتأكيد لا تختلف عموماً عن كل القرى البحرينية.

ومن جهة أخرى، حرصت هذا الأسبوع - الأسبوع الأخير-  قبل بزوغ هلال محرم الحرام على الذهاب إلى أحد الأسواق الشعبية في البحرين .. " سوق السبت " بـ كرزكان ..
وأثناء اقترابي من السوق بسيارتي، لقيت صعوبة كبيرة في إيجاد " البارك ".
وعند دخولي السوق وتسوقي فيه " لاحظت الكثافة البشرية المتزايدة، ووجدت الناس وبخاصة "النساء" اللائي يحرصن على شراء الملابس " العاشورائية السوداء " لهن ولأبنائهن استعداداً لمحرم الحرام ، خصوصاً أنه جرت العادة أن ترتدي المرأة البحرانية الملابس السوداء  بخلاف الرجل الذي قد يرتدي الأسود وقد لا يرتديه " تبعاً لرغبته".
في هذا السوق، وجدت الوجوه التي لم أرها منذ فترة طويلة – ما يقارب الخمس سنوات وأكثر – ووجوه لم أرها منذ عاشوراء السنة الماضية.
لذا كنت سعيدة - لأن هذا المكان السوداوي " المكسو بسواد عاشوراء " استطاع أن يوفر لي الفرصة لألتقي بالناس - من جديد - من مناطق متعددة.

بقلم - أمينة الفردان ..

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

شعيرة عاشوراء في البحرين متجددة .. حية في الوجدان ..


في كل عام يهل هلال الحزن - عاشوراء الحسين ابن بنت رسول الله (ص) - ، فنرى حالة من الهيجان الروحي والنفسي استعداداً لاستقباله، هيجان يغلي من الأعماق، يتناغم مع الحالة السوداوية التي تمثلها تلك الحادثة التاريخية.

الحالة التي تنطبع على القلوب والعقول والمشاعر والوجدان والمكان والزمان؛ لتصبغ الدنيا كلها بسواد الحزن، ونرى الناس بمختلف طبقاتهم الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية وهم يبذلون الجهد والمال والوقت لإبراز شيئاً من الولاء وشيئاً من الحب الذي لا يضاهيه حب إلاّ لرب العباد ورسوله الكريم(ص)، حب أصبح يهتف مراراً ومرارةً باسم الحسين وأهل بيت رسول الله(ص)،حب يبكي لينعش الخواطر ويغذيها من جديد.

في سنة 62 هـ حدثت الواقعة الأليمة " حادثة الطف التي قتل فيها سبط رسول الله(ص) وجلّ من معه من أهل بيته" ، ومنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا يتم استدعاء المصاب بنفس الزخم وأكثر، ليجدد الروح المحبة لتبرز حبها أكثر، ولتناغي وتحاكي الفادي بنفسه لنصرة الإسلام وبقائه.

عاشوراء اليوم تغلي في وجدان محبي أبي عبدالله الحسين، تبكي ألماً، وحزناً ،وعشقاً ،طلباً لشفاعته يوم القيامة.

من يتصفح قلوب أولئك الناس - العاشقين للمضحي من أجل الإسلام- يعرف الكثير عن تلك الشخصية العظيمة " الحسين " التي بقيت خالدة متجددة حية منذ ذلك الزمان إلى يومنا هذا.

بقلم - أمينة الفردان ..



الخميس، 25 نوفمبر 2010

البحرين قديماً - تنقل النسوة بين هذه العين وتلك..


أيام زمان ونتيجة لغياب الماء عن البيوت، امتازت حياة النسوة في المجتمع القروي "بالتنقل بين هذه العين وتلك" لقضاء حاجاتهن من الماء وحمل بعض منه إلى بيوتهن أو استجلاب الماء من الولف الكبير، حيث تقول الإخبارية فوزية: قديماً كنا نتنقل بين العيون الموجودة بالقرية من أجل استكشاف العين التي تعمل ماكينتها "لغسل ملابسنا"، وخصوصاً أن هذه العين قد يشغّلها أصحابها في الصباح، وتلك التي قد يشغّلها أصحابها في وقت الظهر أوالعصر، أما الإخبارية "أم حميد" فتقول: "كنا نذهب إلى الولف لجلب الماء للبيت وهناك تحدث الكثير من المشاجرات والمشادات الكلامية بين النسوة، ولهذا السبب أصبح زوجي هو من يأتي بالماء خوفاً عليّ من تلك المشاكل". وتشاطرها الرأي "أم خليل" بالقول: "كنا نذهب للولف وهناك تحدث الكثير من المشاكل والمشاجرات، وأنا شخصياً ما زالت إحدى النساء في القرية عندما تراني في أي مكان فإنها تخرج بسرعة دون أن تكلمني بسبب حدوث مشاجرة بيني وبينها منذ أكثر من 40 سنة تقريباً، أيام الولف القديم".
إذاً حياة النساء في تلك الأزمنة "كانت مليئة بالشقاء والتعب في نقل الماء من الولف أو العيون إلى المنازل أو حمل الثياب والمواعين لتغسيلها في ذلك المكان وهناك من النساء من يقمن بحمل حتى السجاد" المديد (1) والسفر (2) والحصر (3) أو المراقد (4) لغسلها أيضاً.


ويمكن لنا أن نتخيل منظر هؤلاءالنسوة في مشهد تمثيلي شبيه بما نراه في التلفزة لنساء الصعيد وهن يحملن المواعين (الأواني المملوءة بالماء) على رؤوسهن، وآنية في اليد اليمنى وأخرى في اليد اليسرى، وقد تتكرر تلك العملية عدة مرات "بين العين والمنزل" إلى أن تكتفي هذه العائلة بالكامل بما تحتاجه من الماء، وقد تقوم بعض النسوة بحمل الماء أيضاً إلى بعض قريباتهن، كـ "الإخبارية فريدة" حيث تقول: "كنت أخرج من المنزل من الفجر (قبل أذان الصبح)، لكي أجلب الماء إلى بيت أختي عدة مرات يومياً".

هذا المشهد لم ينتهِ بعد، بل تقوم النساء بعد ذلك بتجميع الثياب في إناء كبير يقال له " اللجّانه (5) أو الطشت(6)" وفيما بعد حمل الحصر والمديد قاصدات بذلك إحدى العيون الموجودة بالقرية من أجل غسلها.
الفهرس :
(1) المديد: سجاد مصنوع من النايلون .
(2) السفر: " مفردها سفرة " وهي ذات شكل دائري مصنوع من الخوص تجلس حوله العائلة لتناول وجبة  الغذاء .
(3) الحصر: سجاد مصنوع من السعف .
(4) المراقد: بطانية تستخدم للنوم ، والفعل رقد يعني نام .
 (5) اللجّانه : وعاء دائري كبير مصنوع من البلاستيك ، يستخدم لغسل الملابس .
(6)طشت :وعاء كبير دائري الشكل مصنوع المعدن يستخدم لغسل الملابس .

مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي " قيد النشر "  - أمينة الفردان ..

السبت، 20 نوفمبر 2010

جولة في أرجاء بلدي " البحرين "

 الجمعة الموافق 19 من نوفمبر عام 2010..
الساعة التاسعة تقريباً انطلقنا في الباص متجهين _نحن أعضاء اللجنة الثقافية_ بمركز كرزكان الثقافي مع عوائلنا إلى المعالم السياحية والأثرية في بلدي ..
المحطة الأولى : " محمية العرين " .. وصل الباص إلى بوابة المحمية في تمام الساعة التاسعة والنصف .. نزل بعض أعضاء إدارة المركز لحجز التذاكر ، بعدها قمنا بجولة استطلاعية للمكان تخللنا التصوير بين المناظر الطبيعية الخلابة .. ثم ركبنا الباص السياحي بمرافقة " المرشد السياحي المتألق " سريع التحدث، أخبرنا بأنواع الحيوانات الموجودة في المحمية وأماكن اسيتطانها في أنحاء العالم ..

من هذه الحيوانات ..
-         الزرافة  من جنوب أفريقيا
-        الآيل الأرقط بـ قرون / بدون قرون
-        الغزال الكندي
-        أبو عدس ... الصابر المتحمل شهر كامل بدون " شرب ماء "
-        الماعز النوبي الذي يحسب عمره من خلال عدد " قرونه "
-        مها البيسا
-        مها أبو حراب
-        الكباش العربي .. من سيناء
-        كبش ضآن البربر
-        نعام الريا من الأرجنتين
بعدها دعانا المرشد للنزول وتفقد المنطقة ربع ساعة، تخللنا التصوير أمام البحيرات الجميلة الممتلئة بالطيور المتنوعة ..
-        الكركي المتوج من شرق أفريقيا
-        الكافور الكينا .
-        شرهمان أوربي من شمال أوربا ووسط  أفريقيا .
-        بط الخضيري من آسيا وأفريقيا .
ثم صعدنا الباص مرة أخرى لمشاهدة بقية الحيوانات: غزال الداما ، غزال الريم البحريني " الوحيد "  من أم النعسان وحوار ، الغزال السعودي من شبه الجزيرة العربية ، غزال دوركاس الأفريقي ... الخ
إلى أن وصلنا " آخر نقطة " مجمع الحيوانات المفترسة " والإعلان الخارجي مكتوب عليه : الضبع العربي ، الذئب العربي ، الوشق العربي ، النمر العربي ، الكلب السلوقي ، وعندما دخلنا تفاجأنا بأن لا إعلانات إرشادية " تحدد نوع الحيوان الموجود في هذه الزاوية أو تلك وعندما خرجنا رأينا المشكلة تتكرر " عدم وجود اللوحات الإرشادية للطيور والحيوانات ..
انتهت الزيارة في المحمية ..
المحطة الثانية : " قلعة الرفاع " ..
اتجهنا بعدها .. إلى قلعة الرفاع .. وللأسف الشديد كانت مغلقة ، تمكنا من التقاط صوراً تذكارية خارجية ..
لننطلق بعدها لأداء فريضتي " الظهر والعصر في مسجد الشيخ عزيز..
ثم الذهاب إلى مجمع السيف لتناول وجبة الغداء وأخذ متسعاً من الوقت للراحة ..
المحطة الثالثة: " متحف البحرين الوطني " ..         في حوالى الساعة الثالثة .. انطلقت الرحلة من جديد إلى متحف البحرين الوطني .. وهناك شاهدنا الكثير والكثير من تراث الأجداد " تراث وتاريخ أهل البحرين " استمتعنا كثيراً في تقليب أنظارنا في هذه الزوايا التراثية المفعمة بعبق الماضي الجميل وعادات وطقوس كانت أكثر روعة لم نجد لها مثيلاً في زماننا هذا .
 هناك وقفنا لحظات..تصوير وتدوين لبعضً منها، كانت اللوحات الإرشادية بأسلوبها الراقي " واضحة المعالم المدروسة بشكل رائع " تساعدنا للوصول إلى ما نرمي إليه ونبحث عنه ..
وانتهت الزيارة " القصيرة نسبياً " حيث لم نستطع دخول إلا القليل من القاعات " التراثية التاريخية ". وخرجنا ونحن نريد البقاء هناك لنلهم الكثير .


المحطة الرابعة : " قلعة البحرين " ..
– كانت الساعة تشير إلى الرابعة والنصف عصراً .. قرر القائمون على الرحلة " أخذنا إلى قلعة البحرين " سعدنا كثيراً وعند وصولنا إلى هناك واجهتنا المشكلة ذاتها .." اللوحات الإرشادية " ..
خارج القلعة هناك مبنى كبير متهالك " بقايا بناء "، هذا البناء ،أخذنا نتبادل الحديث حول تاريخه " إلى أي عهد يرجع ذلك البناء ؟ وهل بني في ذات التاريخ الذي بنيت فيه قلعة البحرين ؟ لكن لم نجد جواباً ..
دخلنا بعدها إلى داخل القلعة – حيث الوفود الكبيرة جداً التي أتت من جميع أصقاع المعمورة " من جنسيات مختلفة " أتوا لمشاهدة هذا المعلم التاريخي  لهذا البلد الذي يحكي أصالة شعبه ومدى مهاراتهم ألاّ متناهية في الهندسة المعمارية البارعة " إلّا أن اللوحات الإرشادية والتوضيحية لتفصيلات وأسماء كل ركن من أركان هذه القلعة التاريخية تبقى المشكلة الكبيرة " فالناس هناك كانوا يتساءلون كما كنا نحن نتساءل ماذا تعني هذه الزوايا والتشكيلات الهندسية المختلفة من هذه القلعة وهل هي حجرات أم حمامات أم حصون أم قبور أم ماذا بالتحديد؟؟ وانتهت الزيارة وخرجنا ونحن في جعبتنا الكثير والكثير من الأسئلة التي لم نحصل الإجابة عليها ..
ختاماً .. أوجه الشكر الجزيل إلى مركز كرزكان الثقافي وتحديداً اللجنة الثقافية على هذه الرحلة " ذات الأهمية الكبيرة " والتي تحمل الكثير لنا كـ " بحرينيين " ولكل منتسبي اللجنة الثقافية بالمركز ..
دمتم و دام وطني " البحرين " بألف خير ..
تحياتي /أمينة الفردان ..




الثلاثاء، 16 نوفمبر 2010

طقوس استقبال الحجيج قديماً ..

شهدت حياة أهالي القرى في البحرين قديماً ، شواهد عديدة فيما يتعلق بطقوس " استقبال العائدين من أداء فريضة الحج "، تلك الطقوس التي تجسد في حقيقتها الكثير من المعاني والمضامين.

يقول الحاج جعفر: أيام زمان ونتيجة لغياب الحجيج فترة طويلة والتي قد تصل في كثير من الأحيان إلى شهرين أو ثلاثة أشهر نتيجة لصعوبة المواصلات آنذاك، وبالتالي كان الناس في القرية يترقبون رجوعهم و يعدّون الليالي والأيام لذلك ..

وهناك أهازيج ترددها النسوة والصبية " أثناء غياب الحاج "حيث يجلسون على الأرجوحة التي هي عبارة عن حبل سميك يربط بين نخلتين :

1. العيد عيدنا في ظل النخيل

ولـ عايدوا ولـ عايدوا ولـ عايدوا

بيتك يا الحجي سيسوا يبنونه

ولـ عايدوا ولـ عايدوا ولـ عايدوا

بيت العدو بالتفق يرمونه

ولـ عايدوا ولـ عايدوا ولـ عايدوا


2- يا نجوم الليل هبوا

وصلوا لـ مكة وردوا

وصلوا الكعبة الشريفة


3- المرجحانه .. المرجحانه

زفوا الحجي إلى نسوانه


وحول ذلك يقول الحاج جمعة: قديماً كان الناس في القرية يستقبلون الحاج عند عودته من أداء فريضة الحج، بذبح خروف على رجله قبل دخوله بيته، هذا الخروف الذي قامت العائلة مسبقاً في أيام غياب الحاج بتربيته والعناية به.

ويستطرد قائلاً: يتم تجهيز زوجة الحاج وكأنها عروس لأول مرة، ثم يقوم الأهالي بعمل زفة له وإدخاله على عروسه. وفيما بعد يتم عمل وجبات الغداء والعشاء للجيران والأقرباء لمدة تصل إلى أسبوع.

ما استعرضناه هنا من خلال حديث الحاج جعفر والحاج جمعة يدوِّن لمرحلة تاريخية اتسمت بعاداتها وطقوسها الخاصة بها نتيجة للظروف الحياتية آنذاك وثقافة الناس حول شعيرة الحج.


مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي" قيد النشر "  - أمينة الفردان




الاثنين، 15 نوفمبر 2010

" الأضحية " ودلالاتها المتشعبة ..


تمثل الأضحية الجانب المادي المعنوي ذات الدلالات الرمزية المكثفة لدى أهالي البحرين أكثر من كونها مجرد " نبتة أو زرعة " ، حيث شعيرة الحج وهمسات الحجيج الذين يؤدون مناسكهم هناك، لذا كان الناس يطلقون عليها " حجية " أو " أضحية " ضحية .

وهناك عرف كان سارياً بالقرية .. بيع الطفل على السيده(1) بمعنى أن تنذر المرأة التي لا تنجب الأطفال، إذا الله بلغها وأنجبت طفلاً، بأن تقوم سيده بعمل الأضحية له . وقد تصل المدة الزمنية إلى أن يكبر هذا الطفل ويتزوج وينجب ، وهناك حالة لمستها بنفسي لرجل لديه أولاد ما زالت السيده تقوم بعمل الأضحية له.

وبالرجوع مرة أخرى إلى الأضحية والتي تحرص السيده على عملها وبيعها لأبناء وبنات الحي أو القرية والأضحية " عبارة عن نبته سواء من بذور " الماش" أو "الشعير " بإستخدام – روث الحمير ومؤخرا تم استخدام " نشارة الخشب " التي توضع في الكُفة " المصنوعة من السعف "، فتسقى هذه النبتة كل يوم ثلاث مرات تقريباً إلى أن يأتي يوم العيد.

و هناك طقس يمارس من قبل الأهالي في هذا اليوم " يوم العيد " حيث تقوم صاحبة البيت بـوضع خبز الخمير على الأضحية ثم يسكب الماء لترويها وهي تردد :

حجيتي حجية .. وديتش للبحرية .. عطيتش سمج صافية

غذيتش وعشيتش .. في يوم العيد لا تدعي عليّ.

اشربي من ماء زمزم

اشربي من نقطة الدم

اشربي يا هاشمية

وفي هذه الحالة تمثل الأضحية رمزاً لشعيرة الحج كأضحية تضاهي الأضحية التي يخرجها الحجاج هناك، ورمزاً لفرح الأطفال.

وبالتالي كان هناك أهازيج الوداع لتلك الأضحية، فعندما تتجه المرأة لرمي الأضحية كانت تبكي وتدمع عينيها حزناً عليها وهي تردد :

أوداعت الله يا حجيتي

حلليني وبري "دمتي"

ربيتش ،وتعبت عليش وتروحين من يدي

قديماً - هذه الأضحية أو " الحجية " لم يقتصر عملها للأطفال فقط ، إنما هناك عرف قائم في قريتي " كرزكان " تحديداً بأن تعمل لكل أفراد العائلة كبيرهم وصغيرهم حتى الحجاج الغائبين كذلك.

وعندما يكتب الله لأحد الناس أداء شعيرة الحج ، تعمل له " أضحية " أو يقوم أحد أقربائه أو الراغبين بالحج – والذي لم يكتب الله له الحج بعد - بعمل أضحية لهذا الحاج ويقوم بالاعتناء بها أثناء غيابه، وفي يوم العيد يخرج ليرميها في البحر فداء لهذا الحاج، وهناك اعتقاد لدى الناس بأن هذا الشخص الذي عمل الأضحية وأخرجها عن الحاج سوف يكتب له رب العباد الحج في السنة اللاحقة.

وهنا تشكل الأضحية دلالة رمزية مكثفة حيث الفداء.. الخير.. التفاؤل.. العطاء والعطية .

(1) المرأة التي يتصل نسبها بالرسول (ص)، من جهة الأب.



- مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي " قيد النشر " - أمينة الفردان ..

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

المجتمع القروي وفترة ما قبل النفط

شهدت مرحلة - ماقبل النفط - حياة أشبه ما تكون بـ "البدائية"، حيث كان الأهالي في هذه القرية (كرزكان) بشكل خاص والقرى البحرينية بشكل عام يعيشون حالة من العوز والفقر الشديدين وذلك لعدة أسباب؛ متمثلة بشكل أساس في العزلة التي كانت تعيشها هذه القرية قديماً وانقطاعها عن المناطق البحرينية الأخرى واعتماد كل الناس (رجالاً ونساءً) على مهن بدائية كالزراعة "المهنة الأولى" للآباء والأجداد بالإضافة إلى الغوص وصيد الأسماك والعمل في الصيران (1) والبناء وبالتالي كانت هذه المهن هي مصدر العيش لدى هؤلاء فلا بديل سواها. أما عن مهنة البيع فكانت مرتبطة في الغالب ببيع محصول العائلة من الفلاحة والأسماك.

ومن جانب آخر فإن هذا المجتمع قام بالأساس على التضامن الآلي، حيث تماثل الوظائف، فالوظائف التي يؤديها أفراده والتي ذكرناها سابقاً - كانت قابلة للتبادل. كان نحو 75% من سكان القرية يمتهنون الزراعة ويعتمدون عليها، حيث عُرفت هذه القرية بكثرة بساتينها ومزارعها، وقد ذكر المحقق الشيخ محمد علي التاجر في كتاب (عقد اللآل في تاريخ أوال) أنها "ذات بساتين ناضرة كثيرة ومياه صافية غزيرة وقد مرت إشارة ابن مقرب إليها (متحسراً) بقوله:
وأمضُّ شيء للقلوب       قطايع بالمروزان لهم وكرزكان
 وأهلها فلاحون وغواصون".


وفرة في الإنتاج وغياب الأسواق:

على الرغم من "وفرة الإنتاج الزراعي"، إلا أنه ونتيجة لغياب المواصلات واعتماد الناس بشكل رئيس على الحمار كوسيلة مواصلات للانتقال إلى سوق المنامة (البعيدة كثيراً عن هذه القرية)، لبيع محاصيلهم الزراعية؛ جعل الأهالي يعانون الفقر والعوز الشديدين وخصوصاً مع غياب الأسواق التي تعمل على استيعاب هذه المنتوجات، ومن حالفه الحظ استطاع أن يتنقل على حماره لكي يبيع مرحلة (2) أو مرحلتين من منتوجاته الزراعية أو الأسماك ببضع روبيات لكي ينفقها على أهله فيما الآخرون يعانون من صعوبة الحياة، وبالتالي كان الناس في القرية ونتيجة لعدم توافر المال يعملون بدون مقابل مادي " فأصحاب هذه المزارع هم أيضاً ليس لديهم المال لكي يدفعوا رواتب لهؤلاء المزارعين وخصوصاً أن محاصيلهم الزراعية لم تُبَعْ وبالتالي كثر التسول بين الناس" خصوصاً بالنسبة إلى العوائل التي لا تمتلك المزارع (البساتين) أما بالنسبة إلى العوائل "الميسورة" ممن تمتلك الأراضي الزراعية فإن "البيت العائلي" يجمعها كأسر ممتدة (يسكن جميع أفرادها من الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد في بيت واحد) حيث يعمل كل فرد منهم في مزرعة العائلة بدون مردود مالي (راتب) إنما مقابل إقامته وطعامه وكسوته مع أهله... وهذا ما قاله بعض الإخباريين.

 الفهرس :

1) تبدأ تلك العملية بجمع الطين من مصادر محددة ومعروفة وبعد ذلك تبدأ عملية تجفيف الطين في حال كان رطباً (كأن يكون من مصدر بحري مثلاً) ويتم ذلك بفرشه على الأرض حتى يجف ويتشقق ويتكسر وتكون الكسور بحجم قبضة اليد بعد ذلك تتم عملية جمعه. بعد ذلك يتم التجهيز لحرق الجص والتي قد تتم في حفر تجهز خصيصاً لذلك أو يكتفى بإحاطتها بجزم جذوع النخيل, ويبدو أن طريقة جزم جذوع النخيل الأكثر انتشاراً في البحرين وشرق الجزيرة العربية وذلك لكثرة وصفها. وفي هذه الطريقة الأخيرة يتم جمع قطع الطين على شكل أكوام هرمية الشكل بعدها تجلب قطع جذوع النخيل التي تكون بمقاس متر إلى متر ونصف المتر وتعرف قطع الجذوع باسم جزم وتتم إحاطة أكوام الطين بالجزم من كل جانب حتى تأخذ شكل المسدس. وبعد اكتمال إحاطة كل الأكوام تأتي مرحلة «حرق الصيران» حيث تضرم النار فيها وتبقى النار مشتعلة تحته لمدة تتراوح من ( 3-5 أيام)، وبعد أن تخمد النار تترك لتبرد, وبعدها تبدأ مرحلة «دق الصيران» حيث يتم ضرب تلك الكتل الطينية المحترقة بقطع خشبية ثقيلة حتى يتحول إلى مسحوق يستخدم في البناء.( حسين محمد حسين
2)   مرحلة : مصطلح محلي يطلق على وعاء نصف دائري به مقبطين يصنع من الخوص ، يستخدم عادةً لحمل  الأسماك  والخضروات وقديما ً كان الأهالي يحملونه اثناء السفر لوضع الأدوات المنزلية مثلاً.

- مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي " قيد النشر " - أمينة الفردان