الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

شعيرة عاشوراء في البحرين متجددة .. حية في الوجدان ..


في كل عام يهل هلال الحزن - عاشوراء الحسين ابن بنت رسول الله (ص) - ، فنرى حالة من الهيجان الروحي والنفسي استعداداً لاستقباله، هيجان يغلي من الأعماق، يتناغم مع الحالة السوداوية التي تمثلها تلك الحادثة التاريخية.

الحالة التي تنطبع على القلوب والعقول والمشاعر والوجدان والمكان والزمان؛ لتصبغ الدنيا كلها بسواد الحزن، ونرى الناس بمختلف طبقاتهم الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية وهم يبذلون الجهد والمال والوقت لإبراز شيئاً من الولاء وشيئاً من الحب الذي لا يضاهيه حب إلاّ لرب العباد ورسوله الكريم(ص)، حب أصبح يهتف مراراً ومرارةً باسم الحسين وأهل بيت رسول الله(ص)،حب يبكي لينعش الخواطر ويغذيها من جديد.

في سنة 62 هـ حدثت الواقعة الأليمة " حادثة الطف التي قتل فيها سبط رسول الله(ص) وجلّ من معه من أهل بيته" ، ومنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا يتم استدعاء المصاب بنفس الزخم وأكثر، ليجدد الروح المحبة لتبرز حبها أكثر، ولتناغي وتحاكي الفادي بنفسه لنصرة الإسلام وبقائه.

عاشوراء اليوم تغلي في وجدان محبي أبي عبدالله الحسين، تبكي ألماً، وحزناً ،وعشقاً ،طلباً لشفاعته يوم القيامة.

من يتصفح قلوب أولئك الناس - العاشقين للمضحي من أجل الإسلام- يعرف الكثير عن تلك الشخصية العظيمة " الحسين " التي بقيت خالدة متجددة حية منذ ذلك الزمان إلى يومنا هذا.

بقلم - أمينة الفردان ..



الخميس، 25 نوفمبر 2010

البحرين قديماً - تنقل النسوة بين هذه العين وتلك..


أيام زمان ونتيجة لغياب الماء عن البيوت، امتازت حياة النسوة في المجتمع القروي "بالتنقل بين هذه العين وتلك" لقضاء حاجاتهن من الماء وحمل بعض منه إلى بيوتهن أو استجلاب الماء من الولف الكبير، حيث تقول الإخبارية فوزية: قديماً كنا نتنقل بين العيون الموجودة بالقرية من أجل استكشاف العين التي تعمل ماكينتها "لغسل ملابسنا"، وخصوصاً أن هذه العين قد يشغّلها أصحابها في الصباح، وتلك التي قد يشغّلها أصحابها في وقت الظهر أوالعصر، أما الإخبارية "أم حميد" فتقول: "كنا نذهب إلى الولف لجلب الماء للبيت وهناك تحدث الكثير من المشاجرات والمشادات الكلامية بين النسوة، ولهذا السبب أصبح زوجي هو من يأتي بالماء خوفاً عليّ من تلك المشاكل". وتشاطرها الرأي "أم خليل" بالقول: "كنا نذهب للولف وهناك تحدث الكثير من المشاكل والمشاجرات، وأنا شخصياً ما زالت إحدى النساء في القرية عندما تراني في أي مكان فإنها تخرج بسرعة دون أن تكلمني بسبب حدوث مشاجرة بيني وبينها منذ أكثر من 40 سنة تقريباً، أيام الولف القديم".
إذاً حياة النساء في تلك الأزمنة "كانت مليئة بالشقاء والتعب في نقل الماء من الولف أو العيون إلى المنازل أو حمل الثياب والمواعين لتغسيلها في ذلك المكان وهناك من النساء من يقمن بحمل حتى السجاد" المديد (1) والسفر (2) والحصر (3) أو المراقد (4) لغسلها أيضاً.


ويمكن لنا أن نتخيل منظر هؤلاءالنسوة في مشهد تمثيلي شبيه بما نراه في التلفزة لنساء الصعيد وهن يحملن المواعين (الأواني المملوءة بالماء) على رؤوسهن، وآنية في اليد اليمنى وأخرى في اليد اليسرى، وقد تتكرر تلك العملية عدة مرات "بين العين والمنزل" إلى أن تكتفي هذه العائلة بالكامل بما تحتاجه من الماء، وقد تقوم بعض النسوة بحمل الماء أيضاً إلى بعض قريباتهن، كـ "الإخبارية فريدة" حيث تقول: "كنت أخرج من المنزل من الفجر (قبل أذان الصبح)، لكي أجلب الماء إلى بيت أختي عدة مرات يومياً".

هذا المشهد لم ينتهِ بعد، بل تقوم النساء بعد ذلك بتجميع الثياب في إناء كبير يقال له " اللجّانه (5) أو الطشت(6)" وفيما بعد حمل الحصر والمديد قاصدات بذلك إحدى العيون الموجودة بالقرية من أجل غسلها.
الفهرس :
(1) المديد: سجاد مصنوع من النايلون .
(2) السفر: " مفردها سفرة " وهي ذات شكل دائري مصنوع من الخوص تجلس حوله العائلة لتناول وجبة  الغذاء .
(3) الحصر: سجاد مصنوع من السعف .
(4) المراقد: بطانية تستخدم للنوم ، والفعل رقد يعني نام .
 (5) اللجّانه : وعاء دائري كبير مصنوع من البلاستيك ، يستخدم لغسل الملابس .
(6)طشت :وعاء كبير دائري الشكل مصنوع المعدن يستخدم لغسل الملابس .

مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي " قيد النشر "  - أمينة الفردان ..

السبت، 20 نوفمبر 2010

جولة في أرجاء بلدي " البحرين "

 الجمعة الموافق 19 من نوفمبر عام 2010..
الساعة التاسعة تقريباً انطلقنا في الباص متجهين _نحن أعضاء اللجنة الثقافية_ بمركز كرزكان الثقافي مع عوائلنا إلى المعالم السياحية والأثرية في بلدي ..
المحطة الأولى : " محمية العرين " .. وصل الباص إلى بوابة المحمية في تمام الساعة التاسعة والنصف .. نزل بعض أعضاء إدارة المركز لحجز التذاكر ، بعدها قمنا بجولة استطلاعية للمكان تخللنا التصوير بين المناظر الطبيعية الخلابة .. ثم ركبنا الباص السياحي بمرافقة " المرشد السياحي المتألق " سريع التحدث، أخبرنا بأنواع الحيوانات الموجودة في المحمية وأماكن اسيتطانها في أنحاء العالم ..

من هذه الحيوانات ..
-         الزرافة  من جنوب أفريقيا
-        الآيل الأرقط بـ قرون / بدون قرون
-        الغزال الكندي
-        أبو عدس ... الصابر المتحمل شهر كامل بدون " شرب ماء "
-        الماعز النوبي الذي يحسب عمره من خلال عدد " قرونه "
-        مها البيسا
-        مها أبو حراب
-        الكباش العربي .. من سيناء
-        كبش ضآن البربر
-        نعام الريا من الأرجنتين
بعدها دعانا المرشد للنزول وتفقد المنطقة ربع ساعة، تخللنا التصوير أمام البحيرات الجميلة الممتلئة بالطيور المتنوعة ..
-        الكركي المتوج من شرق أفريقيا
-        الكافور الكينا .
-        شرهمان أوربي من شمال أوربا ووسط  أفريقيا .
-        بط الخضيري من آسيا وأفريقيا .
ثم صعدنا الباص مرة أخرى لمشاهدة بقية الحيوانات: غزال الداما ، غزال الريم البحريني " الوحيد "  من أم النعسان وحوار ، الغزال السعودي من شبه الجزيرة العربية ، غزال دوركاس الأفريقي ... الخ
إلى أن وصلنا " آخر نقطة " مجمع الحيوانات المفترسة " والإعلان الخارجي مكتوب عليه : الضبع العربي ، الذئب العربي ، الوشق العربي ، النمر العربي ، الكلب السلوقي ، وعندما دخلنا تفاجأنا بأن لا إعلانات إرشادية " تحدد نوع الحيوان الموجود في هذه الزاوية أو تلك وعندما خرجنا رأينا المشكلة تتكرر " عدم وجود اللوحات الإرشادية للطيور والحيوانات ..
انتهت الزيارة في المحمية ..
المحطة الثانية : " قلعة الرفاع " ..
اتجهنا بعدها .. إلى قلعة الرفاع .. وللأسف الشديد كانت مغلقة ، تمكنا من التقاط صوراً تذكارية خارجية ..
لننطلق بعدها لأداء فريضتي " الظهر والعصر في مسجد الشيخ عزيز..
ثم الذهاب إلى مجمع السيف لتناول وجبة الغداء وأخذ متسعاً من الوقت للراحة ..
المحطة الثالثة: " متحف البحرين الوطني " ..         في حوالى الساعة الثالثة .. انطلقت الرحلة من جديد إلى متحف البحرين الوطني .. وهناك شاهدنا الكثير والكثير من تراث الأجداد " تراث وتاريخ أهل البحرين " استمتعنا كثيراً في تقليب أنظارنا في هذه الزوايا التراثية المفعمة بعبق الماضي الجميل وعادات وطقوس كانت أكثر روعة لم نجد لها مثيلاً في زماننا هذا .
 هناك وقفنا لحظات..تصوير وتدوين لبعضً منها، كانت اللوحات الإرشادية بأسلوبها الراقي " واضحة المعالم المدروسة بشكل رائع " تساعدنا للوصول إلى ما نرمي إليه ونبحث عنه ..
وانتهت الزيارة " القصيرة نسبياً " حيث لم نستطع دخول إلا القليل من القاعات " التراثية التاريخية ". وخرجنا ونحن نريد البقاء هناك لنلهم الكثير .


المحطة الرابعة : " قلعة البحرين " ..
– كانت الساعة تشير إلى الرابعة والنصف عصراً .. قرر القائمون على الرحلة " أخذنا إلى قلعة البحرين " سعدنا كثيراً وعند وصولنا إلى هناك واجهتنا المشكلة ذاتها .." اللوحات الإرشادية " ..
خارج القلعة هناك مبنى كبير متهالك " بقايا بناء "، هذا البناء ،أخذنا نتبادل الحديث حول تاريخه " إلى أي عهد يرجع ذلك البناء ؟ وهل بني في ذات التاريخ الذي بنيت فيه قلعة البحرين ؟ لكن لم نجد جواباً ..
دخلنا بعدها إلى داخل القلعة – حيث الوفود الكبيرة جداً التي أتت من جميع أصقاع المعمورة " من جنسيات مختلفة " أتوا لمشاهدة هذا المعلم التاريخي  لهذا البلد الذي يحكي أصالة شعبه ومدى مهاراتهم ألاّ متناهية في الهندسة المعمارية البارعة " إلّا أن اللوحات الإرشادية والتوضيحية لتفصيلات وأسماء كل ركن من أركان هذه القلعة التاريخية تبقى المشكلة الكبيرة " فالناس هناك كانوا يتساءلون كما كنا نحن نتساءل ماذا تعني هذه الزوايا والتشكيلات الهندسية المختلفة من هذه القلعة وهل هي حجرات أم حمامات أم حصون أم قبور أم ماذا بالتحديد؟؟ وانتهت الزيارة وخرجنا ونحن في جعبتنا الكثير والكثير من الأسئلة التي لم نحصل الإجابة عليها ..
ختاماً .. أوجه الشكر الجزيل إلى مركز كرزكان الثقافي وتحديداً اللجنة الثقافية على هذه الرحلة " ذات الأهمية الكبيرة " والتي تحمل الكثير لنا كـ " بحرينيين " ولكل منتسبي اللجنة الثقافية بالمركز ..
دمتم و دام وطني " البحرين " بألف خير ..
تحياتي /أمينة الفردان ..




الثلاثاء، 16 نوفمبر 2010

طقوس استقبال الحجيج قديماً ..

شهدت حياة أهالي القرى في البحرين قديماً ، شواهد عديدة فيما يتعلق بطقوس " استقبال العائدين من أداء فريضة الحج "، تلك الطقوس التي تجسد في حقيقتها الكثير من المعاني والمضامين.

يقول الحاج جعفر: أيام زمان ونتيجة لغياب الحجيج فترة طويلة والتي قد تصل في كثير من الأحيان إلى شهرين أو ثلاثة أشهر نتيجة لصعوبة المواصلات آنذاك، وبالتالي كان الناس في القرية يترقبون رجوعهم و يعدّون الليالي والأيام لذلك ..

وهناك أهازيج ترددها النسوة والصبية " أثناء غياب الحاج "حيث يجلسون على الأرجوحة التي هي عبارة عن حبل سميك يربط بين نخلتين :

1. العيد عيدنا في ظل النخيل

ولـ عايدوا ولـ عايدوا ولـ عايدوا

بيتك يا الحجي سيسوا يبنونه

ولـ عايدوا ولـ عايدوا ولـ عايدوا

بيت العدو بالتفق يرمونه

ولـ عايدوا ولـ عايدوا ولـ عايدوا


2- يا نجوم الليل هبوا

وصلوا لـ مكة وردوا

وصلوا الكعبة الشريفة


3- المرجحانه .. المرجحانه

زفوا الحجي إلى نسوانه


وحول ذلك يقول الحاج جمعة: قديماً كان الناس في القرية يستقبلون الحاج عند عودته من أداء فريضة الحج، بذبح خروف على رجله قبل دخوله بيته، هذا الخروف الذي قامت العائلة مسبقاً في أيام غياب الحاج بتربيته والعناية به.

ويستطرد قائلاً: يتم تجهيز زوجة الحاج وكأنها عروس لأول مرة، ثم يقوم الأهالي بعمل زفة له وإدخاله على عروسه. وفيما بعد يتم عمل وجبات الغداء والعشاء للجيران والأقرباء لمدة تصل إلى أسبوع.

ما استعرضناه هنا من خلال حديث الحاج جعفر والحاج جمعة يدوِّن لمرحلة تاريخية اتسمت بعاداتها وطقوسها الخاصة بها نتيجة للظروف الحياتية آنذاك وثقافة الناس حول شعيرة الحج.


مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي" قيد النشر "  - أمينة الفردان




الاثنين، 15 نوفمبر 2010

" الأضحية " ودلالاتها المتشعبة ..


تمثل الأضحية الجانب المادي المعنوي ذات الدلالات الرمزية المكثفة لدى أهالي البحرين أكثر من كونها مجرد " نبتة أو زرعة " ، حيث شعيرة الحج وهمسات الحجيج الذين يؤدون مناسكهم هناك، لذا كان الناس يطلقون عليها " حجية " أو " أضحية " ضحية .

وهناك عرف كان سارياً بالقرية .. بيع الطفل على السيده(1) بمعنى أن تنذر المرأة التي لا تنجب الأطفال، إذا الله بلغها وأنجبت طفلاً، بأن تقوم سيده بعمل الأضحية له . وقد تصل المدة الزمنية إلى أن يكبر هذا الطفل ويتزوج وينجب ، وهناك حالة لمستها بنفسي لرجل لديه أولاد ما زالت السيده تقوم بعمل الأضحية له.

وبالرجوع مرة أخرى إلى الأضحية والتي تحرص السيده على عملها وبيعها لأبناء وبنات الحي أو القرية والأضحية " عبارة عن نبته سواء من بذور " الماش" أو "الشعير " بإستخدام – روث الحمير ومؤخرا تم استخدام " نشارة الخشب " التي توضع في الكُفة " المصنوعة من السعف "، فتسقى هذه النبتة كل يوم ثلاث مرات تقريباً إلى أن يأتي يوم العيد.

و هناك طقس يمارس من قبل الأهالي في هذا اليوم " يوم العيد " حيث تقوم صاحبة البيت بـوضع خبز الخمير على الأضحية ثم يسكب الماء لترويها وهي تردد :

حجيتي حجية .. وديتش للبحرية .. عطيتش سمج صافية

غذيتش وعشيتش .. في يوم العيد لا تدعي عليّ.

اشربي من ماء زمزم

اشربي من نقطة الدم

اشربي يا هاشمية

وفي هذه الحالة تمثل الأضحية رمزاً لشعيرة الحج كأضحية تضاهي الأضحية التي يخرجها الحجاج هناك، ورمزاً لفرح الأطفال.

وبالتالي كان هناك أهازيج الوداع لتلك الأضحية، فعندما تتجه المرأة لرمي الأضحية كانت تبكي وتدمع عينيها حزناً عليها وهي تردد :

أوداعت الله يا حجيتي

حلليني وبري "دمتي"

ربيتش ،وتعبت عليش وتروحين من يدي

قديماً - هذه الأضحية أو " الحجية " لم يقتصر عملها للأطفال فقط ، إنما هناك عرف قائم في قريتي " كرزكان " تحديداً بأن تعمل لكل أفراد العائلة كبيرهم وصغيرهم حتى الحجاج الغائبين كذلك.

وعندما يكتب الله لأحد الناس أداء شعيرة الحج ، تعمل له " أضحية " أو يقوم أحد أقربائه أو الراغبين بالحج – والذي لم يكتب الله له الحج بعد - بعمل أضحية لهذا الحاج ويقوم بالاعتناء بها أثناء غيابه، وفي يوم العيد يخرج ليرميها في البحر فداء لهذا الحاج، وهناك اعتقاد لدى الناس بأن هذا الشخص الذي عمل الأضحية وأخرجها عن الحاج سوف يكتب له رب العباد الحج في السنة اللاحقة.

وهنا تشكل الأضحية دلالة رمزية مكثفة حيث الفداء.. الخير.. التفاؤل.. العطاء والعطية .

(1) المرأة التي يتصل نسبها بالرسول (ص)، من جهة الأب.



- مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي " قيد النشر " - أمينة الفردان ..

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

المجتمع القروي وفترة ما قبل النفط

شهدت مرحلة - ماقبل النفط - حياة أشبه ما تكون بـ "البدائية"، حيث كان الأهالي في هذه القرية (كرزكان) بشكل خاص والقرى البحرينية بشكل عام يعيشون حالة من العوز والفقر الشديدين وذلك لعدة أسباب؛ متمثلة بشكل أساس في العزلة التي كانت تعيشها هذه القرية قديماً وانقطاعها عن المناطق البحرينية الأخرى واعتماد كل الناس (رجالاً ونساءً) على مهن بدائية كالزراعة "المهنة الأولى" للآباء والأجداد بالإضافة إلى الغوص وصيد الأسماك والعمل في الصيران (1) والبناء وبالتالي كانت هذه المهن هي مصدر العيش لدى هؤلاء فلا بديل سواها. أما عن مهنة البيع فكانت مرتبطة في الغالب ببيع محصول العائلة من الفلاحة والأسماك.

ومن جانب آخر فإن هذا المجتمع قام بالأساس على التضامن الآلي، حيث تماثل الوظائف، فالوظائف التي يؤديها أفراده والتي ذكرناها سابقاً - كانت قابلة للتبادل. كان نحو 75% من سكان القرية يمتهنون الزراعة ويعتمدون عليها، حيث عُرفت هذه القرية بكثرة بساتينها ومزارعها، وقد ذكر المحقق الشيخ محمد علي التاجر في كتاب (عقد اللآل في تاريخ أوال) أنها "ذات بساتين ناضرة كثيرة ومياه صافية غزيرة وقد مرت إشارة ابن مقرب إليها (متحسراً) بقوله:
وأمضُّ شيء للقلوب       قطايع بالمروزان لهم وكرزكان
 وأهلها فلاحون وغواصون".


وفرة في الإنتاج وغياب الأسواق:

على الرغم من "وفرة الإنتاج الزراعي"، إلا أنه ونتيجة لغياب المواصلات واعتماد الناس بشكل رئيس على الحمار كوسيلة مواصلات للانتقال إلى سوق المنامة (البعيدة كثيراً عن هذه القرية)، لبيع محاصيلهم الزراعية؛ جعل الأهالي يعانون الفقر والعوز الشديدين وخصوصاً مع غياب الأسواق التي تعمل على استيعاب هذه المنتوجات، ومن حالفه الحظ استطاع أن يتنقل على حماره لكي يبيع مرحلة (2) أو مرحلتين من منتوجاته الزراعية أو الأسماك ببضع روبيات لكي ينفقها على أهله فيما الآخرون يعانون من صعوبة الحياة، وبالتالي كان الناس في القرية ونتيجة لعدم توافر المال يعملون بدون مقابل مادي " فأصحاب هذه المزارع هم أيضاً ليس لديهم المال لكي يدفعوا رواتب لهؤلاء المزارعين وخصوصاً أن محاصيلهم الزراعية لم تُبَعْ وبالتالي كثر التسول بين الناس" خصوصاً بالنسبة إلى العوائل التي لا تمتلك المزارع (البساتين) أما بالنسبة إلى العوائل "الميسورة" ممن تمتلك الأراضي الزراعية فإن "البيت العائلي" يجمعها كأسر ممتدة (يسكن جميع أفرادها من الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد في بيت واحد) حيث يعمل كل فرد منهم في مزرعة العائلة بدون مردود مالي (راتب) إنما مقابل إقامته وطعامه وكسوته مع أهله... وهذا ما قاله بعض الإخباريين.

 الفهرس :

1) تبدأ تلك العملية بجمع الطين من مصادر محددة ومعروفة وبعد ذلك تبدأ عملية تجفيف الطين في حال كان رطباً (كأن يكون من مصدر بحري مثلاً) ويتم ذلك بفرشه على الأرض حتى يجف ويتشقق ويتكسر وتكون الكسور بحجم قبضة اليد بعد ذلك تتم عملية جمعه. بعد ذلك يتم التجهيز لحرق الجص والتي قد تتم في حفر تجهز خصيصاً لذلك أو يكتفى بإحاطتها بجزم جذوع النخيل, ويبدو أن طريقة جزم جذوع النخيل الأكثر انتشاراً في البحرين وشرق الجزيرة العربية وذلك لكثرة وصفها. وفي هذه الطريقة الأخيرة يتم جمع قطع الطين على شكل أكوام هرمية الشكل بعدها تجلب قطع جذوع النخيل التي تكون بمقاس متر إلى متر ونصف المتر وتعرف قطع الجذوع باسم جزم وتتم إحاطة أكوام الطين بالجزم من كل جانب حتى تأخذ شكل المسدس. وبعد اكتمال إحاطة كل الأكوام تأتي مرحلة «حرق الصيران» حيث تضرم النار فيها وتبقى النار مشتعلة تحته لمدة تتراوح من ( 3-5 أيام)، وبعد أن تخمد النار تترك لتبرد, وبعدها تبدأ مرحلة «دق الصيران» حيث يتم ضرب تلك الكتل الطينية المحترقة بقطع خشبية ثقيلة حتى يتحول إلى مسحوق يستخدم في البناء.( حسين محمد حسين
2)   مرحلة : مصطلح محلي يطلق على وعاء نصف دائري به مقبطين يصنع من الخوص ، يستخدم عادةً لحمل  الأسماك  والخضروات وقديما ً كان الأهالي يحملونه اثناء السفر لوضع الأدوات المنزلية مثلاً.

- مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي " قيد النشر " - أمينة الفردان

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

من عادات الزواج في القرية البحرينية " الوليمة "

عند الحديث عن يوم "الوليمة" أي يوم الزواج المخصص لضيافة الناس المدعوين لتناول وجبتي الغداء والعشاء، هذا اليوم تحديداً كانت تنفق فيه الأموال الكثيرة من أجل إظهار الفرحة وأيضاً لإظهار مدى إمكانية الفرد والعائلة خاصة "بأنها عائلة ميسورة" وبالتالي اتصفت تلك الولائم "بالبذخ الزائد"، لكن إقامة الولائم لم تكن تقتصر على الميسورين والمقتدرين مادياً فقط، إنما شملت أيضاً العوائل المندرجة تحت "عباءة الفقر والعوز”، فهذه العوائل أيضاً لم تمنعها "حالتها المادية الصعبة" من إقامة تلك الولائم على الرغم من حاجة هذه الأسر إلى ذلك المال الذي ينفق في ذلك اليوم، وخصوصاً أن إقامة هكذا ولائم هي عادة اعتاد عليها الناس جميعاً ومنهم النسوة في القرى البحرينية قديماً.

هذه العادات والطقوس التي تحدثتُ عنها نتيجة للتحولات المجتمعية التي طالت كل مفاصل الحياة في القرى البحرينية، اختفت تماماً؛ فلم تَعُدْ هناك ولائم ولم تَعُدْ هناك "جَمْعة أو لَمّة" أو مناسبة يجتمع الناس فيها جميعاً من منتسبي هذه القرية الصغيرة في مساحتها، الواسعة في لمّ شملها وتآلف الناس فيما بينهم وتعاضدهم وفرحتهم العارمة عند زواج أيٍّ من أفرادها المنضوين تحت رايتها.

فالقرية البحرينية لم تَعُدْ كما كانت بل أصابها التمدن في كل جوانبها الحياتية، حيث أصبحت تلك الأفراح (الزواج) مقتصرة على المقربين ، الأصدقاء، الجيران أحياناً، خصوصاً أن التغيرات جعلت من تلك الولائم الكبيرة - التي كانت تقام في البيوت - مقتصرة على وجبات خفيفة "لحفلات خطوبة وزواج" تقام في صالات تابعة إلى مآتم حسينية بأسعار رمزية تناسب مدخول "الفرد المتواضع" أو لحفلات متمدنة تقام في أفخم صالات الأفراح والفنادق، هذه الصالات ينفق عليها الفرد الشيء الكثير وتصل قيمة استئجارها لليلة واحدة ما يقارب 2000 دينار وأكثر، يدفعها الفرد في حين أنه فيما بعد يعيش حالة من التقشف، وخصوصاً أنه لم يعد الوضع المادي مقلقاً بل بفضل "القروض الميسرة" التي تقدمها شتى البنوك والمصارف المحلية والخارجية؛ ساعد بشكل أو بآخر على تنامي مثل هذه الحالة من "الإسراف الزائد" والتسابق في إظهار حالة معاكسة لما يعيشها المواطن البحريني بشكل عام والقروي بشكل خاص.

بالإضافة إلى ذلك أصبح هناك تداخل كبير بين الثقافات، سواءً فيما يتعلق بمراسيم الزواج على الطريقة الأوروبية (موسيقى كلاسيكية) تستقبل العرسان عند دخولهم والأغاني التي تطرب المدعوين والتي هي خليط بين المحلي والخليجي والعراقي... الخ، بالإضافة إلى "البوفيه" الذي هو عبارة عن مزيج من أكلات خليجية، عربية، أوروبية، وأيضاً فستان العروس الذي يكون في الغالب ذا تصاميم "لبنانية" أو أوروبية ناعمة وبسيطة نوعاً ما.

ولا يختلف الوضع بالنسبة إلى قريبات العروس والعريس، حيث أنهن يتسابقن من أجل إبراز الموديلات الجديدة من وجهة نظرهن والتي يصرف عليها الشيء الكثير من أجل التفاخر أمام المدعوات، هذه التصاميم لفساتين "عارية نسبياً" والقصيرة، هي أيضاً تحمل في طياتها إندماج ثقافة هؤلاء النسوة مع ثقافات غريبة قد تكون أوروبية أو هندية أو خليجية أو عربية، بالإضافة إلى قصات وتسريحات الشعر والماكياج، الذي يكون مسايراً لموضات ظهرت حديثاً وغالباً ما يتغنى بعضهن بالماكياج اللبناني.


مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي " قيد النشر " - أمينة الفردان

الاثنين، 1 نوفمبر 2010

رأي الفتاة بخصوص زواجها

عاشت الفتاة في الأزمنة القديمة دون أن يكون لها رأي في كل ما يتعلق بشئونها وأمورها الشخصية، حيث تحكي لنا جداتنا وأيضاً أمهاتنا عن الحالة السيئة التي كن يعشنها في ذلك الوقت، فكل ما يتعلق بحياة المرأة كان بيد ولي أمرها (الأب أو الأخ الأكبر)، وبخصوص رأيها في الشخص المتقدم لخطبتها - لم يكن لها رأي في ذلك، وكلمة الفصل كانت بيد ولي الأمر أيضاً، وهذا ما قالته بعض الأخباريات.

لكن هناك البعض الآخر من الإخباريات اللاتي يتحدثن: بأنهن أخذ برأيهن في هذا الأمر إلا أنهن صمتن وبالتالي احتُسب هذا الصمت على أنه موافقة "فالسكوت علامة الرضا"، أما أم عبدالله فقد أُخذ برأيها لأنها يتيمة كما تقول.

ذلك الوضع الذي كانت تعيشه النسوة آنذاك "لم يعترضن عليه" لأنهن، أي النسوة، يرَين أنه أمر اعتيادي وطبيعي، خصوصاً أنهن "غير متعلمات" وغير واعيات لأبسط حقوقهن إن لم تكن القانونية فإنها الشرعية والدينية، فيما يتعلق بأخذ رأيهن في موضوع مرتبط بشكل مباشر بحياتهن ومستقبلهن ومصيرهن.

هذا الأمر تغير بشكل كبير بعد اكتساح المرأة للتعليم وفيما بعد العمل، فلم يعد الأمر بيد ولي الأمر ولا أي شخص آخر، إنما أصبح الأمر برمته في يدها هي لا غير فلا أب ولا أخ ممكن أن يحدد مصيرها ويجبرها على ما لم ترده هي؛ حيث أصبحت الفتاة هي من تقبل وهي من ترفض العريس دون أن يعلم أهلها بذلك الأمر، وفي حال موافقتها يرفع الأمر إلى والديها لمباركة العقد ، وبالتالي أصبح رأي الفتاة هو الأساس فيما رأي ولي الأمر "ثانوي"، ولم يقتصر الأمر على موافقتها، بل أصبحت هي التي تحدد مجموعة من الشروط، تراها أساسية للمحافظة على حقوقها الزوجية لإستمرارية ذلك الزواج.


 
مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي " قيد النشر" - أمينة الفردان