الثلاثاء، 28 ديسمبر 2010

أيام زمان - القرية البحرينية وغياب الخدمات ..

قديماً ونتيجة لعدم توافر الخدمات كـ "الكهرباء والماء" كان الناس في عموم القرى البحرينية و قريتي" كرزكان " خاصة يعتمدون على النار لإنارة المكان. هذا بالنسبة إلى سُكناهم في المظاعن، وبخصوص إنارة البيوت كانوا يستخدمون اللمبة (1) أو"الفنر(2)" بالإضافة إلى أن النساء كنً يجمعن الحطب بشكل دائم، في فصل الصيف يجمعن كميات كثيرة لادخاره لفصل الشتاء سواءً للطهي أوالتدفئة حيث كانوا يطلقون عليه " السجرة ، الحّماية ".

أما بخصوص الماء فكان الساب (مجرى الماء الذي ينتفع منه عموم الأهالي في القرية آنذاك) هو المصدر الوحيد للماء في القرية. ففي لقاء مشترك مع الحاج ملا حسين الفردان وأخته الحاجة آمنة أم عبدالرسول، وهما في نهاية العقد السابع من العمر تقريباً، ركزا من خلال هذا اللقاء على هذه المرحلة التاريخية "فترة الساب وما بعد الساب"، حيث بدأ الحاج حسين حديثه بالقول: في زماننا كان كل الناس يعتمدون على الساب بشكل كبير لعدم وجود المياه في المنازل.


والساب العتيق يعتبر من عجائب الزمان، كان عمقه نحو 35 - 40 قدماً في بعض المواقع، تأتي إليه المياه من الجبال الواقعة جنوب عالي شمال سافرة شرقي منطقة اللوزي تقريباً وبالتحديد من منطقة موقع مدينة حمد حالياً، وهذا الساب يجري عبر أراضٍ صخرية منحوتة، وخلال عبوره للقرية توجد على جانبيه مقاعد صخرية للجلوس ومحلات للطبخ وحمامات للنساء والأطفال وأخرى للرجال، وأما البيوت التي يمر بجانبها أو خلالها فتتخذ منه مصدراً للماء، وكذلك مكاناً لرمي القمامة والقاذورات ولكن بسبب قوة اندفاع مياهه وشدتها تتسع معه كل ما يرمى فيه وكانت الحكومة آنذاك تحبس مياهه عن الاراضي المنخفضة (النخيل والبساتين) وفي مساء الخميس من كل أسبوع تطلق صفارة الإنذار إيذاناً لوجوب ابتعاد الأهالي عن المجرى لأنه سيفتح على الأراضي المنخفضة لري البساتين فيهرع الموجودون في بحيرته إلى ترك البحيرة.



الهوامش:


(1) اللمبة : هي عبارة عن علبة معدنية صغيرة يوضع فيها الكيروسين وعليها بعض التمر وتتدلى منها فتيلة مصنوعة من خيوط " الخيشة " ، متصلة بالكيروسين ، ويتم إشعالها للحصول على الضوء.


(2) الفنر : مصباح يوضع بداخله الكيروسين ، وقطعة على شكل حزام قطني عرضها بوصتان تقريباً. .( جاسم أل عباس ، محطات من ذاكرة المعامير ، البحرين ) .

- مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي ( قيد النشر ) - أمينة الفردان ..

السبت، 25 ديسمبر 2010

المرأة القروية في البحرين والإنجاب - مقارنة بين جيل الجدات وجيل الشابات:



يُعَدُّ مبدأ التكاثر (كثرة الإنجاب) من المبادئ والمفاهيم التي تغيرت على مدى سنوات؛ ففي الأزمنة القديمة كان هذا المبدأ سارياً في الأرياف والقرى في مختلف بقاع الأرض، وبخاصة في المجتمعات التي يغلب عليها طابع البساطة والأمية والفقر في آن واحد، حيث أن "كثرة الإنجاب" معزز للرجولة ومعزز في الوقت نفسه للأنوثة (أصيلة) ويُعَد العامل الاقتصادي "الأساس" لمبدأ التكاثر حيث المساهمة الاقتصادية للأبناء (الذكور) في إعانة عوائلهم.

وبتسليط الضوء على مملكة البحرين وتحديداً (مجتمع القرية) نجد أن مبدأ التكاثر كان سارياً لدى جداتنا وأمهاتنا قديماً، كانت النساء تنجب الكثير من الأولاد الذين يكاد عددهم يفوق العشرة، أما الرجل فكان يتزوج بأكثر من زوجة، ويختار من تنجب له الأولاد " الذكور " بحيث يركز في اختياره على نساء أرامل (لديهن أولاد من أزواجهن) أو اختيار الزوجة من العوائل الوَلادة.

ومن الطرق التي يلجأ لها البعض في اختيار زوجة المستقبل التي ستنجب له العديد من الذكور هي النظر لشجرة عائلة زوجة المستقبل حيث يعتقد هؤلاء أن هناك نساء تلد أولاد بنسبة أكبر وأن هناك نساء تلد بنات بنسبة أكبر وهي من الأمور التي اعتبرت من الحقائق التي سلم بها أفراد الجيل القديم وربما حتى يومنا هذا حيث يزعمون أن المرأة هي التي تحدد الجنس وليس الرجل ، وقد وجد هذا الكلام طريقه للتراث الشعبي وتم اختزاله في مجموعة أمثال و " معيار " أي ( سباب وشتائم ) فأبنة أم البنات لا تلد إلا البنات وهناك من أفراد الجيل القديم في البحرين من النساء والرجال من يحتقرون البنت فلا يسمونها إلا " فشنة " وجمعها " فشنات " فتسمع بعضهن تقول " فلانة جابت فشنة " وأخرى تقول : " فلانة .. أم الفشنات " ، وكذلك " بت أم الفشنات ما تجيب إلا فشنات " و " ... أم فشنات على أمها ... " .(1)

تلك النظرة والرغبة اللا متناهية " في حب انجاب الذكور" لم يقتصر على الرجل فقط ، فهناك الكثير من النساء من لهن ذات النزعة ، فمن تنجب الذكر أويتوفر لديها حليب الرضاعة يطلقن عليها " أصيلة " أو التي لا يتوفر الحليب في ثدييها " فارسية " أي "غير أصيلة ". وتلك المصطلحات إنما تضمر " مضامين عنصرية " ( بحرينية " اصيلة " أو فارسية " غير أصيلة " ).

ثقافة "حب انجاب الذكر" هي السائدة في ذلك الوقت خصوصاً أن الأبناء كانوا هم السند لآبائهم من الناحية الاقتصادية والاجتماعية . فمن الناحية الاقتصادية مثلاً كانت تلك العوائل تعتمد بشكل كبير على أبنائها في العمل الزراعي (حرفة الآباء والأجداد)، أما من الناحية الاجتماعية فإن هؤلاء الأبناء (الذكور) سوف يحملون اسم الأب. فيما بعد ونتيجة لما لحق بهذا المجتمع من تغيير سواء فيما يتعلق بـ (ارتفاع متوسط سن الزواج نتيجة لتعليم الإناث و عمل المرأة، وما تبعه من تغيير فكري ، ثقافي لشريحة كبيرة من هذا المجتمع " رجالاً ونساءً " خصوصاً بعد أن أثبتت الإناث بشكل ملموس قدرتهن على القيام بما يقوم به الذكور ، فمن الناحية الاقتصادية أصبحت الإناث هن المعيل للاسرة ، هذا التحول الكبير أدى إلى تغير النظرة السلبية " المتوارثة " في المجتمع إزاء الانثى ، بل أصبحت العوائل تفتخر بـ " البنات " وانعكست الصورة " ايجاباً " لصالح الأنثى بعد أن اثبتت التجربة " لدى الكثير من الآباء والامهات " بأن البنت تحمل من العاطفة " ما لا يحمله الولد " فلا تبخل على والديها بما لديها " من الناحية المادية". خصوصاً بعد أن أصبحت مستقلة " اقتصادياً " ، وتحسن وضعهها أدى إلى تحسن وضع الأسرة ككل.

أما فيما يتعلق " بالإنجاب بشكل عام " فإن الحالة الاقتصادية " الصعبة " لدى الكثيرين وعدم القدرة على تربية الكثير من الأولاد " في وقتنا الراهن " نتيجة لطبيعة هؤلاء الأولاد ومتطلباتهم ومشاكلهم المختلفة نوعاً ما عن الجيل السابق . كل ذلك وغيره شكّل محوراً أساسياً في تغير هذا المفهوم لدى الكثير من منتسبي هذه القرية (ومنهم المرأة)، حيث أصبحت المرأة في السنوات الأخيرة تنجب ما يقارب (3 - 4 أولاد) فقط ، أما بالنسبة إلى المرأة العاملة فقد يكون العدد أقل من ذلك، لكن هناك بعض الحالات التي من الممكن أن ترتفع حصيلتها لتصل إلى أكثر من ذلك (في حال كان جميع من لديها من جنس واحد) كأن تكون لديها بنات فقط وتريد ولداً أو العكس.

هذه الثقافة والمستوى من التفكير الذي وصل إليه تفكير الناس في هذا المجتمع ومنهم النساء فيما يتعلق "بالتقليل من نسبة الإنجاب" أصبح شائعاً في السنوات الأخيرة، أما المرأة التي تنجب الكثير من الأولاد فيطلق عليها باللهجة البحرينية (مالت لوّل) وهي جملة تحمل في مضمونها استنكاراً لتلك المرأة الوَلادة على طريقة الأمهات والجدات.

وفي لقاء مع الدكتور محمد منصور "أستاذ علم الاجتماع بجامعة البحرين" قال: إن كثرة الإنجاب قديماً مرتبط بأسباب وعوامل اجتماعية كـ طبيعة النظام القبلي والعائلي والمكانة الاجتماعية التي كانت تتحدد بكثرة الأولاد، أما الآن فتراجع فكر العصبية أو القبلية بالإضافة إلى أن المكانة الاجتماعية أصبحت تتحدد بالمستوى الاقتصادي والتعليمي للأفراد.

كل ما قاله هنا ينطبق بالفعل على مجتمعنا القروي؛ فالواقع يقول بأن المجتمع تغير بشكل كبير حيث أصبح الكثير من الشباب والشابات يعارضون كثرة الإنجاب كما كانت أمهاتهم وجداتهم، هؤلاء الشباب أصروا على أن لا رجعة إلى الزمن الذي يقول بكثرة التناسل مهما كانت الأسباب والمبررات.

الهوامش:
(1) حسين محمد حسين ، ثقافة حب انجاب المولود الذكر في البحرين ، مجلة الثقافة الشعبية ،العدد 10 ، ص 58 ، 2010 ، البحرين .

مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي ( قيد النشر ) / أمينة الفردان ..

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

مقتطفات من كتاب " رمزية الألوان " - الأسود المرتبط بالشعائر الحسينية ..

يمثل اللون الأسود رمزية خاصة للمرأة الشيعية في البحرين ، حيث الشعائر الحسينية التي تدل على الحزن والأسى على ما أصاب حفيد رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار. وتستعد النساء بشكل خاص لتلك المناسبة وذلك عن طريق قيام النساء قبل أيام من محرم الحرام بالاستعداد لإحياء عاشوراء الإمام الحسين بشراء الملابس السوداء لهن و لأبنائهن بالإضافة إلى شراء عصابات الرأس للأطفال (الخضراء، الحمراء والسوداء المكتوب عليها يا حسين / يا شهيد).

هذا بالإضافة إلى أن النساء يقمن بتجهيز خزانات الملابس في المنزل حيث يعملن على تخزين الملابس الملونة واستبدالها بالثياب السوداء الخاصة بالحداد على مقتل الحسين وأهل بيته، الخاصة بشهري (محرم وصفر) حتى اليوم الثامن من ربيع الأول(بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (ع)، وذلك للدلالة على الحزن والأسى على أهل البيت (ع).

وقديماً كان الأهالي يغلفون جهاز التلفزيون ويتم وضعه في (الكارتون) أو يتم حفظه بعيداً عن متناول أفراد العائلة وخاصة الأطفال ولا يستخدم إلا بعد انقضاء الأيام العشرة الأوائل من شهر محرم (الأيام التي قتل فيها الإمام الحسين، وفي بعض الأحيان بعد انتهاء شهري (محرّم وصفر) ولكن هذا الأمر تغير مع ظهور الفضائيات الشيعية والتي تحيي مراسم عاشوراء الحسين وتقوم بالتغطية الشاملة والمباشرة من كربلاء المقدسة للشعائر الحسينية. حيث يحرص الأهالي على متابعة تلك الفضائيات باستمرار.

ومن جهة أخرى هناك من هيأ نفسه للمساهمة في وضع السواد وإزالة كل مظاهر الفرح (خادمات الإمام الحسين)  واستبدالها بالقماش الأسود والذي يغطي كل ركن من أركان المأتم سواء الحائط وحتى الطاولة والمنبر والساعة وغيرها ، ثم وضع الشعارات واللافتات والهتافات الحسينية والكلمات والعبارات الحسينية المعبرة عن الفاجعة فوق ذلك السواد وتكون تلك الشعارات لها دلالات خاصة عند الشيعة حيث تظهر فيها بعض الألوان المعبرة عن الفاجعة كاللون الأبيض (الخيول، الحمامة، لباس الأئمة الأطهار) حيث يرمز ذلك اللون إلى السلام والطهارة والنقاء والصفاء، وكذلك اللون الأخضر الذي يغلب على بعض الشعارات مثل كتابة أسماء الأئمة على بعض اللوحات والشعارات وكذلك الأعلام، بالإضافة إلى بعض الملابس التي تكسو آل بيت رسول الله، واللون الأخضر عادة ما يرمز إلى الانتماء إلى أهل البيت وكذلك يرمز إلى الجنة والنعيم، أما اللون الأحمر فيمثل الدم (من خلال صور الدم الموجودة في تلك الشعارات واللوحات الحائطية، ومن خلال الأعلام الحمر التي ترمز للثورة على الظلم وهناك اللون الذهبي (الأصفر) والموجود بقوة في تلك الشعارات (السيوف، الرماح، القباب) فاللون الذهبي يبرز النور والضياء ويرمز للشمس والذهب.

مقتطفات من كتاب " رمزية الألوان عند المرأة الشيعية في البحرين " - أمينة  الفردان- دار نينوى .

الأحد، 5 ديسمبر 2010

حراك موسمي قل نظيره - استعداداً للأسى

إستعداداً لموسم عاشوراء - يقوم الناس في أغلب مناطق وقرى البحرين هذه الأيام بنشر السواد في المآتم ، والمساكن ، والشوارع .. الخ.
وفي جولة سريعة لبعض المناطق البحرينية استطعت أن أرصد حالة الحماس والجهد المضني بين جميع الفئات العمرية التي أصبحت تشارك بفاعلية.
فكانت لي جولة تفقدية لمدة أربعة أيام تقريباً في قرية كرزكان رصدت خلالها جماعات تنشر السواد والأعلام والبوسترات الحسينية بعباراتها المعبرة عن المصاب والأخرى التي تتخذ من عاشوراء شعلة تضيء الدرب.
وقسم آخر من الناس - كانوا يقومون  بإخراج أواني وحاجيات عاشوراء " للعام الماضي "  وتجهيزها وتنظيف " المخزن المخصص لها " لإمداده بالمزيد.
أما في قرية المالكية المجاورة فلا يختلف الوضع كثيراً .. حيث رأيت الأعلام السود مع بعض الأعلام ذات اللون الأحمر والأخضر والتي لها مضامين عاشورائية ذات الصلة بـ " واقعة الطف " بالإضافة إلى جماعة أخرى كانت تقوم بعمل " مجسمات فنية " تعبيراً عن الواقعة.
وفي قرية دمستان .. كانت الإعلانات أقل كثافة من المناطق السابقة الذكر.. إلاّ أنّ هناك لوحات إعلانية تشير إلى مشاركات لـ رواديد حسينيين من خارج البحرين كـ"جليل الكربلائي".. عراقي الجنسية، بالإضافة إلى ذكر من سيساهمون في القراءة الحسينية لهذا العام.
وعند وصولي إلى " سوق واقف " لاحظت وجود إعلانات كبيرة بأسماء الشيوخ " قراء الرثاء الحسيني وكذلك الرواديد " لكل منطقة على حدة.
وبالنسبة لمنطقة بوري – رفرفت  الأعلام السود الممزوجة بأعلام حمراء ، وخضراء غطت القرية بكثافة.
 بالإضافة إلى الإعلانات الخاصة التي وضعت على كل مأتم والتي تحدد الرواديد والقراء الحسينيين لهذا الموسم " العاشورائي " بالصور والأوقات.
وفي جولة سريعة على " مدينة حمد " الدوار الرابع ، استطعت أن أرصد الحالة نفسها - حراك عاشورائي قلّ نظيره – نشر للسواد استعداداً للمصاب. وهذه الحالة بالتأكيد لا تختلف عموماً عن كل القرى البحرينية.

ومن جهة أخرى، حرصت هذا الأسبوع - الأسبوع الأخير-  قبل بزوغ هلال محرم الحرام على الذهاب إلى أحد الأسواق الشعبية في البحرين .. " سوق السبت " بـ كرزكان ..
وأثناء اقترابي من السوق بسيارتي، لقيت صعوبة كبيرة في إيجاد " البارك ".
وعند دخولي السوق وتسوقي فيه " لاحظت الكثافة البشرية المتزايدة، ووجدت الناس وبخاصة "النساء" اللائي يحرصن على شراء الملابس " العاشورائية السوداء " لهن ولأبنائهن استعداداً لمحرم الحرام ، خصوصاً أنه جرت العادة أن ترتدي المرأة البحرانية الملابس السوداء  بخلاف الرجل الذي قد يرتدي الأسود وقد لا يرتديه " تبعاً لرغبته".
في هذا السوق، وجدت الوجوه التي لم أرها منذ فترة طويلة – ما يقارب الخمس سنوات وأكثر – ووجوه لم أرها منذ عاشوراء السنة الماضية.
لذا كنت سعيدة - لأن هذا المكان السوداوي " المكسو بسواد عاشوراء " استطاع أن يوفر لي الفرصة لألتقي بالناس - من جديد - من مناطق متعددة.

بقلم - أمينة الفردان ..