الثلاثاء، 3 يناير 2012

فنون بحرينية تستنطق سعف النخيل ..


اشتهرت البحرين قديماً بـ " أم المليون نخلة " نسبة لكثرة عدد أشجار النخيل الموجودة فيها، وبالتالي فإن أهالي البحرين في تلك الأزمنة  ارتبطت حياتهم بالنخلة فكانوا يستغلون المواد المستخلصة منها في الكثير من الصناعات اليدوية.
وبتسليط الضوء على الحرفة المعهودة لدى جداتنا في ذلك الزمان .. فإنها ترتكز بالأساس على سعف النخيل كمادة خام أولية لعمل السلال والزبلان " زبيل "   والقفة والكلة والحصر والسفر  .. الخ، وبألوان مختلفة ، زاهية كالأخضر والأحمر في الأغلب.
في هذا العصر المتسارع .. أخذت تلك الصناعات اليدوية " المحترفة في الأفول نتيجة طغيان " المكننة " و تغير نمط معيشة الناس ومسارها الثقافي ، حيث دخلت الكثير من المنتوجات الاستهلاكية الحديثة لأسواقنا ، مما انعكس على قلة الطلب على هكذا صناعات ، وبذلك قل الاهتمام بها بالرغم من أنها تتداخل مع تراث البلد الحضاري والثقافي .
ومع ذلك يبقى الوعي لدى البعض المتمثل في مراكزنا التراثية التي ما زالت إلى الآن تسعى للحفاظ على هذه الصناعات ولو ببذل المجهودات المتواضعة.
 ويسعدنا حقيقة أن نرى تلك الصناعات " القديمة " بارزة وبوضوح عند زيارتنا لمثل تلك المراكز المهتمة كـ " متحف البحرين الوطني ، مركز تنمية الصناعات الحرفية بالمنامة ، مركز الجسرة "  لتعرفنا على شيئاً من عبق الماضي البعيد وتاريخ البحرين الأصيل.
في المقابل هناك صورة حديثة تشعرني كمواطنة بحرينية بالفخر عندما استحضر هذه اللحظات بالذات..
فعند زيارتي الأخيرة لورشة صناعة الورق اليدوي من سعف النخيل التي تقوم برعايتها جمعية رعاية الأمومة والطفولة ، لاحظت أن هذا " المصنع الصغير " ينمي حب الابداع والعمل  اليدوي المحترف لدى الشابات البحرينيات.
في هذه الورشة يتم الاستفادة من سعف النخيل الذي كانت جداتنا تعتمد عليه قديماً في صناعة السفر والحصر والسلال والقفة، ليعاد بلورة حرفية جديدة تعتمد على تجميع و تقطيع و طبخ و عجن السعف  لصناعة ورق يدوي يدخل في تنفيذ العديد من الأفكار الانتاجية الجديدة.

هناك التقيت بعدد من الشابات اللائي يعملن بجد وحرفية واتقان ، اخبرتني فاطمة محمد وهي إحدى العاملات في الورشة والتي انضمت للعمل منذ ما يقارب السنة لتحدثنا عن متعتها كبحرينية  تقوم بإعادة انتاج الورق من سعف النخيل ، وتواصل الحديث .. يمكن أن اخبرك بإيجاز عن الخطوات التي نقوم بها لكي نحول هذا السعف لورق جميل وبألوان براقة.
 أولاً نقوم بقطع ورق النخيل ثم نقوم بطبخه لمدة ثماني ساعات ، بعدها يطحن لتضاف له خلطة خاصة، وفيما بعد ..  يفرغ الخليط  في وعاء ، ويفرد على شكل ورق. ويترك لمدة يوم ليجف ، ثم يكوى ،ليتم تحويله لعدة منتجات  كـ بطاقات المعايدة أو تزيينه برسومات تمثل تاريخ و تراث المملكة، وأخيراً توضع تلك المنتوجات في صالة العرض الخاصة بالمركز ( مركز تنمية الصناعات الحرفية بالمنامة ) لأجل بيعها على الزوار " سواء من البحرينيين أو السواح العرب والأجانب .

وبالعودة مرة أخرى للشابات العاملات في الورشة تحدثنا حميدة " أم محمد " والتي انضمت للعمل ما يقارب الست سنوات ، بأنها أحبت العمل في هذا المشروع ، وهي على ذلك فخورة بعملها هنا.
حميدة تتسلم مسئولية " عمل الخلطة السرية الخاصة " التي تضاف إلى السعف بعد طبخه وطحنه.
وتقول .. يتم الاستفادة من خبرة الجدات، من خلال مزجهم للألوان المستخدمة في صناعة الزبيل والحصر قديماً، لنحصل بالتالي على ورق طبيعي " يحتوي على شعيرات سعف النخيل" بألوان مختلفة.

في ذات الوقت .. تحدثنا زميلتها شفيقة ، بأنها انضمت للعمل في الورشة حديثاً وأنها تشعر بمتعة فيما تنجزه ، إلا أنها في الوقت ذاته تضمر همومها كبحرينية " تعاني من مشكلة الرواتب المتدنية ". وللعلم أن شفيقة تركت العمل في ورشة خاصة بالجبس " بسبب راتبها الذي لا يتعدى الثمانين ديناراً.
هذا الأمر الذي اثارته شفيقه، تحدثت عنه أيضاً مديرتها في الورشة ايمان العرادي التي قالت: إن الورشة تعاني من قلة الدعم خصوصاً أن القائم على هذا المشروع هي جمعية أهلية تنتظر الدعم من المجتمع لكي تنهض بمشاريعها الرامية لتنمية المجتمع بأفراده بشكل أفضل.
وفي ختام زياتي هذه .. أطلعتني مديرة الورشة على المعرض المخصص لبيع منتوجات مصنع الورق " من سعف النخيل " والذي ذهلت حقاً عندما رأيته ..
ودعتهم أخيراً..
وتمنيت لو أن وزارة الثقافة تقوم برعاية مثل هذه الصناعات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تعريف رجال الأعمال والمقتدرين مادياً بهكذا صناعات حرفية وأهميتها. للنهوض بهذه الصناعات الحرفية أولاً ، ولزرع ثقافة الابداع والابتكار لدى الشباب والشابات البحرينيات ثانياً، ومن جانب آخر .. حل مشكلة " الرواتب المتدنية للعاملين في هذا المجال من أجل ضمان استمرارية هذه الصناعات المقتبسة من تراث البحرين " الأصيل" ..

   
بقلم/ أمينة الفردان ..