عند الحديث عن يوم "الوليمة" أي يوم الزواج المخصص لضيافة الناس المدعوين لتناول وجبتي الغداء والعشاء، هذا اليوم تحديداً كانت تنفق فيه الأموال الكثيرة من أجل إظهار الفرحة وأيضاً لإظهار مدى إمكانية الفرد والعائلة خاصة "بأنها عائلة ميسورة" وبالتالي اتصفت تلك الولائم "بالبذخ الزائد"، لكن إقامة الولائم لم تكن تقتصر على الميسورين والمقتدرين مادياً فقط، إنما شملت أيضاً العوائل المندرجة تحت "عباءة الفقر والعوز”، فهذه العوائل أيضاً لم تمنعها "حالتها المادية الصعبة" من إقامة تلك الولائم على الرغم من حاجة هذه الأسر إلى ذلك المال الذي ينفق في ذلك اليوم، وخصوصاً أن إقامة هكذا ولائم هي عادة اعتاد عليها الناس جميعاً ومنهم النسوة في القرى البحرينية قديماً.
هذه العادات والطقوس التي تحدثتُ عنها نتيجة للتحولات المجتمعية التي طالت كل مفاصل الحياة في القرى البحرينية، اختفت تماماً؛ فلم تَعُدْ هناك ولائم ولم تَعُدْ هناك "جَمْعة أو لَمّة" أو مناسبة يجتمع الناس فيها جميعاً من منتسبي هذه القرية الصغيرة في مساحتها، الواسعة في لمّ شملها وتآلف الناس فيما بينهم وتعاضدهم وفرحتهم العارمة عند زواج أيٍّ من أفرادها المنضوين تحت رايتها.
فالقرية البحرينية لم تَعُدْ كما كانت بل أصابها التمدن في كل جوانبها الحياتية، حيث أصبحت تلك الأفراح (الزواج) مقتصرة على المقربين ، الأصدقاء، الجيران أحياناً، خصوصاً أن التغيرات جعلت من تلك الولائم الكبيرة - التي كانت تقام في البيوت - مقتصرة على وجبات خفيفة "لحفلات خطوبة وزواج" تقام في صالات تابعة إلى مآتم حسينية بأسعار رمزية تناسب مدخول "الفرد المتواضع" أو لحفلات متمدنة تقام في أفخم صالات الأفراح والفنادق، هذه الصالات ينفق عليها الفرد الشيء الكثير وتصل قيمة استئجارها لليلة واحدة ما يقارب 2000 دينار وأكثر، يدفعها الفرد في حين أنه فيما بعد يعيش حالة من التقشف، وخصوصاً أنه لم يعد الوضع المادي مقلقاً بل بفضل "القروض الميسرة" التي تقدمها شتى البنوك والمصارف المحلية والخارجية؛ ساعد بشكل أو بآخر على تنامي مثل هذه الحالة من "الإسراف الزائد" والتسابق في إظهار حالة معاكسة لما يعيشها المواطن البحريني بشكل عام والقروي بشكل خاص.
بالإضافة إلى ذلك أصبح هناك تداخل كبير بين الثقافات، سواءً فيما يتعلق بمراسيم الزواج على الطريقة الأوروبية (موسيقى كلاسيكية) تستقبل العرسان عند دخولهم والأغاني التي تطرب المدعوين والتي هي خليط بين المحلي والخليجي والعراقي... الخ، بالإضافة إلى "البوفيه" الذي هو عبارة عن مزيج من أكلات خليجية، عربية، أوروبية، وأيضاً فستان العروس الذي يكون في الغالب ذا تصاميم "لبنانية" أو أوروبية ناعمة وبسيطة نوعاً ما.
ولا يختلف الوضع بالنسبة إلى قريبات العروس والعريس، حيث أنهن يتسابقن من أجل إبراز الموديلات الجديدة من وجهة نظرهن والتي يصرف عليها الشيء الكثير من أجل التفاخر أمام المدعوات، هذه التصاميم لفساتين "عارية نسبياً" والقصيرة، هي أيضاً تحمل في طياتها إندماج ثقافة هؤلاء النسوة مع ثقافات غريبة قد تكون أوروبية أو هندية أو خليجية أو عربية، بالإضافة إلى قصات وتسريحات الشعر والماكياج، الذي يكون مسايراً لموضات ظهرت حديثاً وغالباً ما يتغنى بعضهن بالماكياج اللبناني.
مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي " قيد النشر " - أمينة الفردان