السبت، 28 أغسطس 2010

مقتطفات من كتاب " المرأة في قريتي " / الحجاب - بين الحداثة والانتكاسة ..

كثيرة هي التغيرات التي طالت الكثير من الجوانب في هذا المجتمع ، و من أهمها " الحجاب " ، فعندما تسترجع جداتنا شكل الحجاب المتداول بين الشريحة النسوية في ذلك الزمان تقول : بأن الحجاب كان عبارة عن ملفع و ثوب و مقنعة للنساء ومشمر وثوب لمكننه للشابات (والثوب لمكننه عبارة عن لباس تقليدي مصنوع من الوايل الخفيف ترتديه الشابات مع الدشداشة وتقوم برفع طرفيه لتغطية الشعر ) و أخيراً البخنق للفتيات ، فالأعراف والتقاليد المجتمعية كانت قائمة على أساس ذلك " وبالتالي كان هذا هو نمط الحجاب آنذاك ، وفيما بعد دخلت العباءة إلى القرية بدءًا بالميسورات إلى أن انتشرت ، وفي البداية كانت النسوة يرتدينها " خارج القرية مع الغشواية ، وهذا ما قالته الكثير من الإخباريات .
و على الرغم من انتشار العباءة إلا أن الحجاب المتعارف عليه لدينا - وهي قطعة القماش التي تستخدم لتغطية شعر المرأة - لم تظهر إلى النور بعد .
وظل الأمر على ما هو عليه حتى مع خروج الدفعة الأولى لتلقي التعليم في مدرسة فاطمة بنت أسد ، حيث كانت الطالبات في ذلك الوقت يرتدين " العباءة " بدون حجاب وعندما يصلن إلى المدرسة " يخلعنها " أي العباءة .
إلى أن وقعت حادثة في أحد السنوات ، كما تقول الإخبارية فاطمة ابراهيم : عندما كنت في الصف الخامس الإبتدائي وفي أحد الأيام جاء عدد من الرجال " الإنكلنيز " لتدريبنا في حصة الرياضة ، وصادف في ذلك اليوم زيارة أحد الرجال من القرية إلى المدرسة " ليشاهدنا بدون حجاب مع الرجال الإنكلنيز " فانتشر الخبر بين الأهالي وبالتالي منع الأهالي بناتهم من الذهاب للمدرسة بينما حرم البعض بناتهم من التعليم كلياً ، أما أنا كما تقول فاطمة فجلست أسبوع في المنزل بناءً على طلب أخي الذي أقنعني بارتداء الحجاب بعد أن ذهب إلى مديرة المدرسة والإتفاق معها على ذلك ، بينما ظلت جميع فتيات القرية بدون الحجاب " لأن المديرة لم تسمح لهن بارتداءه ، وفي السنة اللاحقة ارتدت جميعهن الحجاب " وهن بالصف السادس " .
وفي تلك السنة كما تقول كاظمية أحمد : أطلق علينا الأهالي بــ " رعاة العمائم " ، لأنه " أي الحجاب " كان لونه أبيض شبيه بعمامة عالم الدين، وبدايةً كما تقول كاظمية : كنا نربطه أسفل الذقن .
ومع ذلك ظلت بقية النساء في القرية " يرتدين المشمر والعباءة بدون حجاب " إلا أن ظهر الحجاب على شكل " قبعة " تغطي الشعر فقط بدون الرقبة كما تقول الإخبارية " زينب محمد عبدالنبي ، ومع ظهور هذا النمط من الحجاب " القبعة " أخذت النسوة ترتدينه مع العباءة " . وفيما بعد انتشر الحجاب تدريجياً خصوصاً مع ذهاب الكثير من فتيات القرية للتعليم في المدرسة الدينية " جمعية التوعية " والتي عملت بشكل أو بآخر على انتشار الحجاب بين فتيات القرية ، و كان لقيام الثورة الإسلامية في إيران الأثر الكبير في تنامي مفهوم الحجاب ، حيث استطاع الرجال القائمين على التوعية الدينية أنذاك استقطاب الشريحة النسوية المثقفة والمتعلمة " من الدفعة الأولى " من أجل تدريبهن على التعليم الديني لنسويات القرية عموماً بدءاً بالأمور الفقهية والعقائدية من أجل تهيأتهن " لموضوع الحجاب الإسلامي والشرعي " ، وكما تقول " الإخبارية زينب محمد عبدالنبي " إن النساء أصبحن يقبلن على الندوات والمحاضرات الدينية " وهن يرتدين الحجاب الإسلامي " ، وتواصل حديثها بالقول منذ بداية الثمانيات حتى نهايته برزت الغشواية بشكل متنامي وواضح جداً بين نساء القرية وشاباتها . و في هذه الفترة ظهر شكل آخر للحجاب " حجاب به خيطان يتم ربطهما أسفل الشعر " أعلى الرقبة من الخلف " بينما يتم ربط طرفي الحجاب من أسفل الذقن و هذا الحجاب بطبيعته لا يسمح بأن ينكشف الشعر بتاتاُ.
وفي التسعينات تراجع ارتداء النسوة للغشواية أو البوشية ، إلا أن ظهرت بوادر قليلة جداً لظهور البالطو الملون أو الأسود " نتيجة لخروج الكثير من الشابات للعمل ، ومع ذلك بقي ارتداءه محصور في مكان العمل فقط ، إلا أن ظهرت حالات هنا وهناك " بسيطة نوعاً ما " ، وظل محدود الإنتشار .
وفي بداية الألفين حدث تغير كبير في ارتداء بعض الشابات و النسوة " للبرقع " الذي يكشف العينين والذي كان متعارفاً عليه سابقاً بأنه لباس " النساء من المذهب السني " و واكب ذلك تغير آخر يتعلق بـ نمط الحجاب و شكل العباءة ، حيث اندفعت الكثير من الشابات والفتيات في بداية الأمر من أجل التخلي من جديد عن العباءة " الدفة " واستبدالها بالجلباب أو البالطو بتصاميمه المتنوعة ، وفي نفس الوقت استبدال الحجاب الذي ظل متعارفاً عليه " مدة طويلة " إلى الشيلة " الشبيهة بالملفع التي ترتديه النسوة الكبيرات في السن ، وفيما بعد ظهر الإختلاف بينهما في نوعية القماش والكريستالات والخرز والألوان والتطريزات أيضاً .
وقد استمر التغيير والتبدل في شكل الحجاب بوتيرة سريعة جداً ولم يتوقف للحظة ، فقد لاحظنا في السنوات الثلاث الأخيرة أن الحجاب أصبح يتناغم مع حالة جديدة ظهرت مؤخراً " وهي حرص الفتيات على إظهار شيء من جمالهن من خلال هذه العباءة و من خلال الحجاب أيضاً ، فالحجاب ووفق المتغيرات والتحولات الكبيرة والتي تعتبر جذرية في مجملها " أصبحت شيلة " منتفخة أو مرتفعة في الجوانب " بإتجاه الخدين " نتيجة لإستخدام ربطة شعر " كبيرة جداً " توضع في أعلى الرأس ليصبح رأس الفتاة " بحجم رأسين " وبهذه الطريقة يخرج بعضاً من شعر الفتاة " بقصد أو بدون قصد " بالإضافة إلى بروز الرقبة وهي تشع رونقاً وجمالاً ." وقد وصل الأمر عند البعض للتخلي عن الجلباب أو البالطو أيضاً .
و أخيراً ظهر شكل آخر من أشكال الحجاب ، وهو حجاب شبيه بالقبعة يتم ربطه على جانب واحد " بجانب الأذن " ليعطي رونقاً خاصاً وهذا الحجاب على الطريقة المصرية بحيث يغطي الشعر فقط ، بينما يكشف الرقبة بالكامل خصوصاً أن هؤلاء لا يرتدين العباءة " الدفة " ولا الجلباب أو البالطو أيضاً . وباسترجاع بدايات الحجاب في القرية- نجد أن هذا الشكل " أي القبعة " ظهر قديما ًمع انطلاق البدايات الأولى للحجاب إلا أن النسوة أنذاك كن يرتدينه " أسفل العباءة " أي أن العباءة كانت تستر الشعر ، وعلى الرغم من أن النوع الأخير لا زال محدود " حالات فردية " إلا أنه من المتوقع أن ينتشر كمثيلاته من الموضات السابقة له .
ومن الأمور التي رافقت ذلك إهتمام بعض الشابات والفتيات " بوضع المكياج أثناء خروجهن من المنزل " ، من أجل إبراز جمالهن أكثر وهذا الأمر لم نكن نراه في السنوات السابقة .
إذاً من خلال تتبعنا للتبدلات والتحولات التي طالت الحجاب منذ بدء إنطلاقته الأولى إلى يومنا هذا ، نجد أن الإختلاف يكمن في أن الأجيال القديمة " كانت تتصرف وفق اللا وعي " وبعدها " و في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي أخذن يتصرفن وفق " الوعي الديني " وهذا ما انعكس على شكل حجابهن ، إلا أنه في السنوات الأخيرة أخذ بعض النساء يتصرفن وفق " الوعي و اللا وعي في آن واحد " و أيضاً وفق الحداثة والإنتكاسة في آن واحد ، حيث نجد البعض من النساء من أخذن يلهثن وراء الموضة و الحداثة بسلبياتها إلى أن أصبحن في زمن ما بعد الحداثة أي " الرجوع إلى الخلف و الإنتكاسة " .


- مقتطفات من كتاب " المرأة في قريتي " دراسة اثنوجرافية في قرية بحرينية " / امينة الفردان ..

هناك 7 تعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....

    أشكرك اختي العزيزه أمينه الفردان على هذه المقالات الجميلة و التي تذكرنا بالماضي و الحاضر ....

    صراحة ً انا معجب بمقالاتك و بكتاباتك الجميلة جداً والمفيدة ...

    اما بالنسبة لموضوعك الجميل أختي ...
    فيذكرنا بالماضي .. فهو ماضي جمييل جداً وياليت يعود الماضي يوم واحد فقط او حتى لحظة واحدة ... وللأسف بنات الجيل الجديد غير عن السابق ،، في الماضي لم تكن عند المرآة حرية و صوت مثل الآن .. الآن تنظر للبنت تمشي و والديها ورائها تتأمر ووالديها ينفذوا ماتطلب البنت ... وهذا يعتمد في الشيء الأساسي على التربية ...

    علي الدقاق

    ردحذف
  2. مرحبا..
    رغم تعدد الطرق والتاريخ الحافل فيما ذكرتيه لا يتعدى كونه "موضة" على غرار الألبسة..
    الجدير بالذكر أن البحرين ليس لها صيت رسمي في مسألة الحجاب فهو حرية شخصية بحته، وكل ما في الموضوع اجتهادات ورؤى آنذاك..
    السعودية مثلا تفرض الحجاب داخل المدرسة حتى على الصغيرات، أما على العكس في التجربة التونسية بالمنع معللين أن بعض المجتمعات المشرقية كان لزاما على العبيد من النساء لبس الحجاب وتغطية الرأس حتى تقع التفرقة بين المرأة الحرة والمرأة الامة.. وفرنسا شأن آخر..

    .. ميدانياً ومن رحم الحياه أثبت الحجاب أنه وسيلة لإلجام من كان في قلبه مرض!

    تقبلي مروري هنا..

    ردحذف
  3. محمد السعيد29 أغسطس 2010 في 2:38 ص

    الحجاب هو جانب العفاف في المرأة وهو أهمّ عنصر في شخصيّتها يجب أن لا يكون عرضة للإهمال.( السيد الخامنئي) ، يجب علينا اخذ الحسن من الغرب فقط وترك السيء فالمرأة المحجبة والعفيفة لا يمنعها العمل والانخراط في الحياة فالأن هي مطلوبة في الطب ، التعليم ، السياسة ، الاعلام وغيرهما وفعلا اثبت تميزها فلا ضير من اخذ الموضة ولبس الملابس الانيقة ولكن يجب كل شي ان لا تخدش هذه الموضة والملابس عفة المرأة . وشكرا لك على هذه المقالات الرائعة

    ردحذف
  4. لا اعلم ان كان الحال الذي وصل له الحجاب في يومنا هذا .. انتكاسة ام حداثة .. !
    الشيء الأكيد ب كل الموضوع ان تطرقكِ ل اثارة الحجاب من القديم وحتى الأن كان جميلا جدا .. وكأننا عايشنا كل تلك السنوات ب مقالة ..

    أحسنتِ

    ردحذف
  5. تحية طيبة...
    يسعدني ترك التعليق هنا بعد الاطلاع على تلك المدونة الجميلة والتي اضفتها للمفضلة من المدونات لدي،كما اتمنى ان تبقى مستمرة كي تكون خير مستودع لتفريغ الابداع العقلي والنقلي والمشاعر الذاتية والذكريات الانسانية والاراء الجميلة،مع اطيب تمنياتي...
    خالص تقديري...

    ردحذف
  6. دول مجلس التعاون الخليجى و الأردن ضحية عملية نصب عالمية!


    وقعت كل من السعودية وقطر على بروتوكولات تعاون فرنسي نووي، والمباحثات جارية مع كل من عمان والكويت، كما دخلت روسيا على البحرين لأقامة مفاعلات نووية فى دول مجلس التعاون الخليجى . أما الأمارات فقد وقعت عقدا مع كوريا الجنوبية قيمته 20 مليار دولار أمريكى لأقامة 4 مفاعلات نووية بالأمارات. و تسعى الأردن لأنشاء مفاعلات نووية بالأردن بحجة توليد الكهرباء و تحلية مياة البحر!!!

    الطاقة النووية السلمية أصبح موضوع قديم عفى عليه الزمن ومحفوف بالمخاطرومعظم الدول المتقدمة بدأت تستعمل بدائل أخرى سلمية للطاقة أقل تكلفة وأقل خطرا وتحقق نفس النتائج .. فلماذا لانبدأ من حيث انتهى الأخرون؟ لماذا نشترى دائما التكنولوجيا القديمة سواء فى المجال العسكرى أو السلمى؟

    ايطاليا والمانيا يعتبران من أكبر الدول الصناعية فى العالم .. الأولى لا تستخدم الطاقة النووية والثانية ستتوقف عن انتاجها واستخدامها فى سنة 2020 وحاليا تستورد الطاقة الشمسية من أسبانيا وفى المستقبل القريب من الجزائر.

    دول الخليج و الأردن يستطيعون تغطية كل احتياجاتهم الكهربائيه وكذلك تحلية مياه البحر من الطاقة الشمسية و طاقة الرياح و أستغلال النفايات فى أنتاج الطاقة والفائض يمكن تصديره .

    هناك 5 مقالات هامة عن هذا الموضوع و هى النووى كمان و كمان ـ كارت أحمر ـ كارت أخضر ـ الأشعة الذهبية - ألوان‏.

    دول الخليج و الأردن تحتاج إيضا لمحطات تنقية مياة الصرف الصحى و الزراعى لأعادة تدويرها و الأستفادة منها و هذا الموضوع بالتفصيل فى مقال صراع فى الوادى.

    الأمارات و قطر و الكويت معرضة أجزاء منها للغرق فى الخليج نتيجة أرتفاع مستوى سطح البحر و هذا الموضوع متناول بالتفصيل فى مقال الحل أسمه هولندا.

    لمزيد من التفاصيل أذهب مقالات ثقافة الهزيمة بالرابط التالى www.ouregypt.us

    ردحذف
  7. الأستاذة والأخت أمينة الفردان،

    طرح متميّز ومليء بالأمور التي تدفعني لاقتناء هذا الكتاب في أقرب فرصة،
    تقومين بطرق باب مهم جداً ، وتسلطين الضوء بشجاعة أدبية وعلمية راقية على تراث القرية البحرانية الأصيلة.

    دمت صوتاً لهذه الأزقة التي ترعرعنا فيها، ونبضاً واعياً لذكرياتها الجميلة،

    ببساطة، مبدعة، وقلمك رائع،

    تحيتي،

    حسين الدقاق

    ردحذف

التعليقات لا تمثل بالضرورة رأي صاحبة المدونة .