السبت، 25 ديسمبر 2010

المرأة القروية في البحرين والإنجاب - مقارنة بين جيل الجدات وجيل الشابات:



يُعَدُّ مبدأ التكاثر (كثرة الإنجاب) من المبادئ والمفاهيم التي تغيرت على مدى سنوات؛ ففي الأزمنة القديمة كان هذا المبدأ سارياً في الأرياف والقرى في مختلف بقاع الأرض، وبخاصة في المجتمعات التي يغلب عليها طابع البساطة والأمية والفقر في آن واحد، حيث أن "كثرة الإنجاب" معزز للرجولة ومعزز في الوقت نفسه للأنوثة (أصيلة) ويُعَد العامل الاقتصادي "الأساس" لمبدأ التكاثر حيث المساهمة الاقتصادية للأبناء (الذكور) في إعانة عوائلهم.

وبتسليط الضوء على مملكة البحرين وتحديداً (مجتمع القرية) نجد أن مبدأ التكاثر كان سارياً لدى جداتنا وأمهاتنا قديماً، كانت النساء تنجب الكثير من الأولاد الذين يكاد عددهم يفوق العشرة، أما الرجل فكان يتزوج بأكثر من زوجة، ويختار من تنجب له الأولاد " الذكور " بحيث يركز في اختياره على نساء أرامل (لديهن أولاد من أزواجهن) أو اختيار الزوجة من العوائل الوَلادة.

ومن الطرق التي يلجأ لها البعض في اختيار زوجة المستقبل التي ستنجب له العديد من الذكور هي النظر لشجرة عائلة زوجة المستقبل حيث يعتقد هؤلاء أن هناك نساء تلد أولاد بنسبة أكبر وأن هناك نساء تلد بنات بنسبة أكبر وهي من الأمور التي اعتبرت من الحقائق التي سلم بها أفراد الجيل القديم وربما حتى يومنا هذا حيث يزعمون أن المرأة هي التي تحدد الجنس وليس الرجل ، وقد وجد هذا الكلام طريقه للتراث الشعبي وتم اختزاله في مجموعة أمثال و " معيار " أي ( سباب وشتائم ) فأبنة أم البنات لا تلد إلا البنات وهناك من أفراد الجيل القديم في البحرين من النساء والرجال من يحتقرون البنت فلا يسمونها إلا " فشنة " وجمعها " فشنات " فتسمع بعضهن تقول " فلانة جابت فشنة " وأخرى تقول : " فلانة .. أم الفشنات " ، وكذلك " بت أم الفشنات ما تجيب إلا فشنات " و " ... أم فشنات على أمها ... " .(1)

تلك النظرة والرغبة اللا متناهية " في حب انجاب الذكور" لم يقتصر على الرجل فقط ، فهناك الكثير من النساء من لهن ذات النزعة ، فمن تنجب الذكر أويتوفر لديها حليب الرضاعة يطلقن عليها " أصيلة " أو التي لا يتوفر الحليب في ثدييها " فارسية " أي "غير أصيلة ". وتلك المصطلحات إنما تضمر " مضامين عنصرية " ( بحرينية " اصيلة " أو فارسية " غير أصيلة " ).

ثقافة "حب انجاب الذكر" هي السائدة في ذلك الوقت خصوصاً أن الأبناء كانوا هم السند لآبائهم من الناحية الاقتصادية والاجتماعية . فمن الناحية الاقتصادية مثلاً كانت تلك العوائل تعتمد بشكل كبير على أبنائها في العمل الزراعي (حرفة الآباء والأجداد)، أما من الناحية الاجتماعية فإن هؤلاء الأبناء (الذكور) سوف يحملون اسم الأب. فيما بعد ونتيجة لما لحق بهذا المجتمع من تغيير سواء فيما يتعلق بـ (ارتفاع متوسط سن الزواج نتيجة لتعليم الإناث و عمل المرأة، وما تبعه من تغيير فكري ، ثقافي لشريحة كبيرة من هذا المجتمع " رجالاً ونساءً " خصوصاً بعد أن أثبتت الإناث بشكل ملموس قدرتهن على القيام بما يقوم به الذكور ، فمن الناحية الاقتصادية أصبحت الإناث هن المعيل للاسرة ، هذا التحول الكبير أدى إلى تغير النظرة السلبية " المتوارثة " في المجتمع إزاء الانثى ، بل أصبحت العوائل تفتخر بـ " البنات " وانعكست الصورة " ايجاباً " لصالح الأنثى بعد أن اثبتت التجربة " لدى الكثير من الآباء والامهات " بأن البنت تحمل من العاطفة " ما لا يحمله الولد " فلا تبخل على والديها بما لديها " من الناحية المادية". خصوصاً بعد أن أصبحت مستقلة " اقتصادياً " ، وتحسن وضعهها أدى إلى تحسن وضع الأسرة ككل.

أما فيما يتعلق " بالإنجاب بشكل عام " فإن الحالة الاقتصادية " الصعبة " لدى الكثيرين وعدم القدرة على تربية الكثير من الأولاد " في وقتنا الراهن " نتيجة لطبيعة هؤلاء الأولاد ومتطلباتهم ومشاكلهم المختلفة نوعاً ما عن الجيل السابق . كل ذلك وغيره شكّل محوراً أساسياً في تغير هذا المفهوم لدى الكثير من منتسبي هذه القرية (ومنهم المرأة)، حيث أصبحت المرأة في السنوات الأخيرة تنجب ما يقارب (3 - 4 أولاد) فقط ، أما بالنسبة إلى المرأة العاملة فقد يكون العدد أقل من ذلك، لكن هناك بعض الحالات التي من الممكن أن ترتفع حصيلتها لتصل إلى أكثر من ذلك (في حال كان جميع من لديها من جنس واحد) كأن تكون لديها بنات فقط وتريد ولداً أو العكس.

هذه الثقافة والمستوى من التفكير الذي وصل إليه تفكير الناس في هذا المجتمع ومنهم النساء فيما يتعلق "بالتقليل من نسبة الإنجاب" أصبح شائعاً في السنوات الأخيرة، أما المرأة التي تنجب الكثير من الأولاد فيطلق عليها باللهجة البحرينية (مالت لوّل) وهي جملة تحمل في مضمونها استنكاراً لتلك المرأة الوَلادة على طريقة الأمهات والجدات.

وفي لقاء مع الدكتور محمد منصور "أستاذ علم الاجتماع بجامعة البحرين" قال: إن كثرة الإنجاب قديماً مرتبط بأسباب وعوامل اجتماعية كـ طبيعة النظام القبلي والعائلي والمكانة الاجتماعية التي كانت تتحدد بكثرة الأولاد، أما الآن فتراجع فكر العصبية أو القبلية بالإضافة إلى أن المكانة الاجتماعية أصبحت تتحدد بالمستوى الاقتصادي والتعليمي للأفراد.

كل ما قاله هنا ينطبق بالفعل على مجتمعنا القروي؛ فالواقع يقول بأن المجتمع تغير بشكل كبير حيث أصبح الكثير من الشباب والشابات يعارضون كثرة الإنجاب كما كانت أمهاتهم وجداتهم، هؤلاء الشباب أصروا على أن لا رجعة إلى الزمن الذي يقول بكثرة التناسل مهما كانت الأسباب والمبررات.

الهوامش:
(1) حسين محمد حسين ، ثقافة حب انجاب المولود الذكر في البحرين ، مجلة الثقافة الشعبية ،العدد 10 ، ص 58 ، 2010 ، البحرين .

مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي ( قيد النشر ) / أمينة الفردان ..

هناك 4 تعليقات:

  1. انا شاب ولا اؤمن بما قلتيه بان الرال تغير تفكيرهم
    واريد ابناء كثيرين

    ردحذف
  2. لكِ اسلوب مميز اخيتي ،،،
    طرحـــا ، و اسلوبا بل و تخيّرا للفظ ايضا

    دامـ قلمكـِ زاخرا

    اختكِ ..الولاية

    ردحذف
  3. جليلة الموالي26 ديسمبر 2010 في 11:35 ص

    سلمت يداك أخية

    أني أحب النسوان مال لوَل على قولتكم

    ردحذف
  4. السلام عليكم اختي الفاضلة
    يعطيك العافية
    بالنسبة لموضوعك مثل ما نقول بالكويتي..يعطيج العافيةفهذه مشكلة النساء بكل انحاء الكون كافة..وان ازدادت لدينا مع ان الاسلام الغي كل هذه الحواجز والضغوطات الا اننا نعيش في مجتمع الرجل الشرقي وللاسف الى الان في بعض المناطق والدول حتى لو وصلت المرأة لمراحل تعليمية رفيعة..فالرجل رجل..والمرأة مرأة..ويكفي المرأة ان الله تعالى انصفها،ورسوله وآله الاطهار سلام الله عليهم

    ردحذف

التعليقات لا تمثل بالضرورة رأي صاحبة المدونة .