الأحد، 1 أغسطس 2010

لهجاتنا المحلية وحقيقة الصراع ..

في كل بلد في العالم هناك لهجة مسيطرة وأخرى مهمشة وبطبيعة الحال لابد وأن يشوب الصراع بينهما عملاً بمبدأ " البقاء للأقوى " بإستخدام شتى الوسائل المتاحة لبسط النفوذ والسيطرة لإضعاف "المهمشين" ولهجاتهم . هنا سوف أبدأ بنظرية الصراع لـ فريد الذي تحدث عن أهمية التدرج الطبقي الاجتماعي والطريقة التي يسمح بها جهاز الدولة بظهور طبقة اجتماعية يكون بإمكانها الحصول على وضع مسيطر والحفاظ عليه .(1)

بدراسة معمقة في الحالة البحرينية نجد أن الصراع قائم بين من يعتبرون أنفسهم " صفوة " وبين من يشعرون بالتهميش أي بين لهجتين وأكثر – بين لهجة "مسيطرة" ولهجات "مهمشة "فالطبقة المسيطرة "أي الصفوة" وحتى تستطيع فرض سيطرتها ونفوذها على كافة الجماعات تحاول نشر لهجتها وتكريسها من خلال الإعلام و الأماكن الرسمية وغيرها . في الإعلام مثلاً سواءً المسموع أو المرئي نشاهد البرامج التي تكرس اللهجة السنية "وهي لهجة الطبقة المسيطرة" ، ومن هذه البرامج مثلاً ( حياكم معانا ) ، ( فرجان لوّل ) .. الخ " هذه البرامج تبث بلهجة أهل السنة " ، في حين إن من يتابعون هذه البرامج هم أيضاً من غير أهل السنة وهم شريحة كبيرة جداً من البحارنة . هذه البرامج بلهجتهم تنطق بهذه الطريقة ( حياكم ويانا ) ، ( فرگان لوّل ) ، أما مقدمي هذه البرامج " من البحارنة أيضاً " فهم يتحدثون بذات اللهجة " السنية " - لكن ماذا عن المسلسلات المحلية وهل ساهمت في تكريس ذلك أم لا ؟

نعم – لقد ساهمت مسلسلاتنا المحلية في تقديم صورة نمطية تحمل في طياتها السخرية والإستهزاء بالآخر، حيث تصور هؤلاء " متحدثي اللهجة البحرانية " على أنهم سذج ،سراق،نصابين، مختلين عقلياً . فعلى مدى سنوات لم نرى إلا تلك الصورة السيئة إلى أن تغيرت بعض الشيء في السنوات القليلة الماضية.

هذا بالإضافة إلى أن اللهجة السائدة في الدوائر الرسمية هي ذاتها لهجة الطبقة المسيطرة، وبالتالي نجد الطوائف الأخرى الموجودة في البحرين تقوم بتقليد تلك اللهجة إلى أن تتخلى تدريجياً عن لهجتها الأم ، وهذا ما سمعته فعلاً من بعض الأفراد الذين ينتمون إلى ما يعرفون بإسم البحارنة، حيث لاحظت أنهم يتكلمون باللهجة السنية فيما تخلوا عن لهجتها الأم " اللهجة البحرانية " .

وسوف أذكر هنا أحد الأمثلة - في أحد الأيام وبينما كنت في زيارة إلى مستشفى كانو الصحي في مدينة حمد ( وهو مجتمع مختلط به عدة طوائف بلهجات متعددة ) ، جلست إلى جانبي أثنتين من الفتيات البحرينيات فكانت إحداهما سمراء البشرة والأخرى بيضاء ، وكان عندي فضول بأن اتعرف على لهجتهن وهوياتهن ، فسألتهن عن ذلك فأجابت إحداهن بأنها بحرانية إلا أني سمعتها تتحدث "باللهجة السنية" أي كما تتحدث صديقتها.. فقلت لها- هل بإمكانك أن تخبريني عن الفرق بين لهجتكِ الأساسية كبحرانية ولهجة صديقتك هذه ، فأخذت تذكر لي بعض هذه الفروقات منها مثلاً:

ظهرنا مقابل طلعنا ( خرجنا ) ، ملفع مقابل شيلة ( قطعة القماش التي تغطي الرأس ) ، نعالتي مقابل نعالي ( نعل ) ، ديباج مقابل برنوص ( اللحاف ) ، جمعية مقابل منتزه ( سوبرماركت ) ، دكان مقابل برادة ، حريجه مقابل حريگه ( حريق ) ، آنه مقابل أني ( أنا ) ، بايي مقابل بجي ( سوف آتي ) ، باجله مقابل باگله ( نوع من البقوليات ) ، جمعه مقابل يمعه ( يوم الجمعة ) ، إرمضان مقابل رمضان ( شهر رمضان ) ، دختر مقابل مستشفى ،دختور مقابل دكتور ، يوعانه مقابل جوعانه ( جائعة ) ، يهال مقابل جهال ( أطفال ) ، يابر مقابل جابر ( اسم شخص ) الخ .

والسؤال الذي أخذ يتبادر إلى ذهني – ما الذي يجعل تلك الفئة من البحارنة وغيرهم من الجماعات ذات اللهجات الهامشية " كالمقيمين والمجنسين" من أصول عربية إلى تقليد اللهجة المسيطرة ( لهجة أهل السنة ) وبالتالي التخلي التدريجي عن لهجتها " الأم " بينما لا نجد ذلك عند أهل السنة إلا نادراً.

وللإطلاع على ذلك قمت بتوجيه هذا السؤال إلى الدكتور ناذر كاظم ( الباحث في الشأن البحريني ) فأجاب:

في كل مجتمع هناك لهجات هامشية ولهجة مسيطرة وهي لهجة الطبقة المسيطرة ( اي الصفوة ) وتسعى تلك الطبقة إلى تكريس لهجتها من خلال الإعلام وغيره ، وحتى لا تتعرض الجماعات الأخرى الهامشية المتحدثة باللهجات الهامشية ، إلى الاستهزاء والسخرية من قبل أصحاب اللهجة المسيطرة فإنها تلجأ إلى تقليد تلك الجماعات في لهجتها .

وفي ذات السياق ومن وجهة نظري الشخصية أجد أن الطبقة المسيطرة ( الصفوة ) ، لا تقتصر فقط على الصفوة الحاكمة وخاصة في مجتمعنا البحريني ، حيث أن هناك طبقات تعتبر نفسها بأنها الصفوة وأن الآخرين هم هوامش . فنرى مثلاً أهل المنامة من الشيعة يطلقون مصطلح " الحلايل " على الأهالي المنتمين إلى القرى البحرانية عامة ، وهذا المصطلح يكمن في مضمونه إستهزاء بالآخر وإنتقاص من شأنه ومن لهجته وثقافته " مال لوّل " باللهجة البحرانية . على إعتبار أن أهل المنامة يفوقون أهل القرى وأنهم الأفضل منهم والأرقى سواءً في اللهجة أو العادات.. الخ .

ولا يختلف الوضع كثيراً عند أهل السنة في البحرين ، حيث إن هناك مناطق تعتبر نفسها الأرقى أيضاً سواءً في اللهجة أو الثقافة أوالعادات ؛ مثال ذلك : عندما سألت إحدى النساء وإسمها "رقية " وهي سنية من منطقة الرفاع ومتزوجة من شخص من نفس الإنتماء الديني من منطقة المنامة تقول بأن لهجة أهل المنامة" السنة " تتميز بـ " المياعه " وقلة الإختصارات بعكس لهجة أهل الرفاع الكثيرة الإختصارات .

مثال ذلك كما تقول رقية - عندما يكون إسم فتاة شمة يطلق عليه في الرفاع شوشو " مختصر" وينطبق ذلك على جميع الأسماء وكذلك أهل الرفاع يعيبون على أهل المحرق بـ " المياعه " أيضاً والتصنع في الكلام ؛ وبالتالي فإن المحصلة تعني " إن أهل الرفاع يعتبرون لهجتهم " اللهجة الصفوة " أي الأفضل والأرقى وبالتالي يتم تهميش اللهجات الآخرى بإعتبارها الأدني على الرغم من أنها من ذات اللهجة " السنية " .

ومن ناحية آخرى وعندما قمت بجمع المفردات والإلتقاء بالأفراد من مناطق متعددة في البحرين " شملها البحث " كانت العبارة التي سمعتها مراراً وتكراراً من تلك الأفراد :

إن لهجتنا عادية جداً , ولا يوجد فيها أي خلل ، على إعتبار أن لهجتهم هي الأفضل على لهجات المناطق الأخرى ويقولون ( إذا أردتي أن تبحثي في اللهجات عليكِ بـ " لهجة أهل سترة " التي هي من وجهة نظرهم - الأدني ).

وبالتالي نرى أن هناك عدة طبقات في المجتمع البحريني تدعي بأنها الصفوة فقد تكون الدولة ذات السلطة ، وقد تكون طبقة أهل السنة المتمثلة في "أهل الرفاع" وقد تكون طبقة أهل الشيعة المتمثلة في "أهل المنامة" وقد تكون مؤسسات و أحزاب تعتبر نفسها هي الصفوة ، فجميع هؤلاء يمارسون دور الصفوة على الأخرين الذين من وجهة نظرهم "هوامش " .

وبالرجوع إلى الجماعات الهامشية من أصول عربية ( كالمقيمين والمجنسين خصوصاً ) فإننا نشاهدهم في الأماكن العامة في البحرين وهم يرتدون اللباس البحريني المشابه للباس أهل السنة ويتحدثون بلهجتهم، للإيحاء بأنهم بحرينيون .وهناك فروقات التي لا يمكن أن يخفيها هؤلاء بين لهجتهم الجديدة وبين لهجة أهل السنة ( حيث أن لهجتهم الجديدة - مزيج بين اللهجة الأم ( يمنية أو سورية الخ ) وبين اللهجة السنية البحرينية ) ، وهذه الفروقات عادة ما تكون في الصوتيات واللحن بحيث تظهر المفردات والكلمات والتعبيرات السنية بلحن سوري أو يمني الخ . وبالتالي هي مزيج بين اللهجتين وإن حاول البعض إخفاء ذلك ( هذا بالنسبة للأباء والأجداد من المقيمين والمجنسين ) . وتقل هذه الفروقات اللهجويةً في حالة الأشخاص المولودون في البحرين حيث أنهم عاشوا وتعلموا واندمجوا في المجتمع البحريني واكتسبوا لهجته أول بأول ، وبالتالي من الصعوبة التعرف على أصولهم ( هل أن أصولها بحرينية أو عربية مجنسة ) ، لأنهم " أي المجنسين " اكتسبوا اللهجة واللباس والثقافة المحلية البحرينية وأخذوا يمارسونها كما البحرينين فلا فرق بينهما .



وفي المقابل تعتبر اللهجة إنعكاساً لثقافة المجتمع وهويته ، ومن خلال تلك اللهجة يتمكن أي فرد من التعرف على ثقافة هذا المجتمع أو ذاك .

والهوية هي إدراك الفرد نفسيًا لذاته . واتسع هذا المفهوم داخل العلوم الاجتماعية لكي يشمل الهوية الاجتماعية ، والهوية الثقافية ،والهوية العرقية ( السلالية ) ، وهي مصطلحات تشير إلى توحد الذات مع وضع اجتماعي معين ، أو مع تراث ثقافي معين ، أو مع جماعة سلالية .ويمكن الحديث أيضًا عن هوية الجماعة ، بمعنى التوحد أو الادراك الذاتي المشترك بين جماعة من الناس . لكن إستخدام مفهوم ( الهوية) كان موضع نقاش من جانب بعض الباحثين المعاصرين ، لأن هذا المفهوم ينطوي على خاصية ثابتة ومستمرة للفرد أو الجماعة . ويرى هؤلاء الباحثين ضرورة التركيز على عملية التوحد ، وليس البحث عن هوية ( ثابتة ) .(2)

ومن خلال ما ذكرناه سابقاً حول علاقة اللهجة بالطبقة وسعي الطبقة المسيطرة إلى فرض وتكريس لهجتها من خلال الوسائل المتاحة لديها وبشتى الطرق ،وشعور الجماعات المهمشة بالإغتراب في هذا المجتمع مما يدفعها إلى التمسك بهويتها ولهجتها المحلية حتى تقول للجماعات المسيطرة ( نحن هنا ) ، وذلك بوسائل مختلفة ومنها مثلاً ما نشاهده لدى البحارنة في البحرين ( كتابة الشعارات على السيارات ) مثال ذلك" اللهم صلي على محمد وآل محمد " "السلام عليك يا أبا عبدالله " وغيرها من الشعارات الموجودة على السيارات والتي تعبر عن الهوية العقائدية والدينية، وقد سعت إدارة المرور ومن أجل الحد من تلك الشعارات وغيرها، إلى تغريم الأشخاص الذين يقومون بلصق تلك الشعارات على السيارات بإعتبار أنها مخالفة مرورية .

بالإضافة إلى ذلك نرى أن العائلات البحرانية - تحرص على تسمية أبناءهم بأسماء تعبرعن ولاءهم وإنتماءهم إلى أهل البيت وهذا من صميم إعتقادهم وهويتهم الدينية ومن هذه الأسماء مثلاً محمد ، علي ، فاطمة ، حسن ، حسين ، رضا ، جواد ، موسى ، عيسى ، حيدر ، كرار ، سّجّاد ، عبدالحسن ، عبدالحسين ، عبدعلي ،صادق ، مهدي ،مهدية ، زينب ، رقية ، سكينة ،مكي ، غريب ، غريبة ، مكية ، مدينة ، كاظمية ، علي نجف ، كربلايه ، فاضل ، عباس الخ ( هذا بالنسبة لعامة الشيعة )، و هناك أسماء آخرى مثل فدك ،آلاء ،كوثر ، ولاء ،غدير ، نبأ ، علا ، بيان ، بنين ، يقين ، ساجدة ، طاهرة ، تقى ، الخ أما السادة من البحارنة ( وهم المنتمين إلى البيت النبوي الشريف ) فإن أسماءهم" إذا كان النسب من الأب" هي ( سيد شبر ، سيد شرف ، سيد شبير ، سيد علي ، سيد حسين ، سيد حسن ) أما البنات فلها أسماء تختص بالسادة فقط مثل ( زكية ، بتول ، معصومة ، نجيبة ) وفي حال" كان نسب السادة من الأم" (الولد ميرزا ،والبنت ميرزاية) أما إذا "كان نسب السادة من الوالدين" أي من الأم والأب فإن الأسماء تكون ( علوي ، علوية ) ، وقد يكون أسماء لعوائل مثل عائلة الأثى عشرية ( سلماباد ) ،عائلة الباقر ( الدير ) وعائلة الموسوي ( المنامة ) أما أسماء المحلات التجارية والمؤسسات عامة فلها أيضاً أسماء تعبر عن الإنتماء الديني والمذهبي مثلاً مطعم القائم ، أنوار الحسن، استوديو الحوراء، مسجد الزهراء ، مسجد زين العابدين، مسجد الباقر ( في قرية كرزكان ) مطعم نور الولاية ، برادات أهل البيت، مخابز النجف، برادات النجاة ، الطفوف للمواد الغذائية ( قرية المالكية ) أسواق نور الزهراء (قرية دمستان ) ،صالون الزهراء ( قرية بني جمرة ) ، صالون البتول ( قرية الدراز ) ،غاز العسكريين ، ورشة الولاية للنجارة ( الجنبية ) ، مخبز الولاية ( قرية المصلى ) مخبز الحجة، روضة الرضا ( بوري ) ، محلات الزهراء لتأجير فساتين الزواج ( السنابس) ، مطعم النجف (المقشع ) ، حملة الكاظم، روضة الإمام الحسن ، بوتيك وليد الكعبة ، خياطة الروضة النبوية ( دار كليب ) بركة فدك ( صدد) ،حملة العقيلة ،حملة غريب طوس ، مسجد الزهراء ، مسحد السيدة زينب ، جامع فاطمة الزهراء،مسجد أم البنين ( مدينة حمد ) حملة الأنوار المحمدية ( جبلة حبشي ) ، مطعم الدر النجفي ( الدراز ) الولاية للتجارة ، ايسكريم الزهراء، ورشة نجوم الهواشم ، ورشة قمر الهواشم ( سوق واقف) . جامع الصادق ( القفول ) مركز الإمام علي (ع)، خباز الهواشم ، حملة الضامن للأماكن المقدسة ( سار ) ، مؤسسة الرضا للأدوات الصحية ( المعامير ) .

كل تلك الشعارات والأسماء إنما تعبر عن الهوية الدينية لدى البحارنة ، وبالتالي يحاولون إبرازها والتشبث بها وغرسها لدى الأجيال المتعاقبة على مر السنين والأيام ، كل ذلك من أجل مواجهة اللهجة المسيطرة وإثبات أنها ليست جماعة هامشية إنما لهجة لنسبة كبيرة لا يستهان بها من الشعب البحريني .

من خلال العرض السابق نجد أن حقيقة الصراع تكمن بين عدة أطراف ، بين الصفوة التي قد تكون الصفوة المسيطرة " ذات السلطة " أوالصفوة المتمثلة في أهل الرفاع " السنة " أو أهل المنامة" البحارنة" . فكل هؤلاء يمارسون دورهم " كصفوة " على أطراف أخرى يعتقدون أنهم " هوامش سواءً كانوا البحارنة بشكل عام أو أهل المنامة " السنة " أو الحلايل " أهل القرى " أو " أهل المحرق " .. الخ.


(1) شارلوت سيمور – سميث/ موسوعة علم الانسان / المفاهيم والمصطلحات الانثروبولوجية/المجلس الأعلى للثقافة / 1998 /ص372.


(2) نفس المرجع السابق / ص 731





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات لا تمثل بالضرورة رأي صاحبة المدونة .