الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

مقتطفات من كتاب " المرأة في قريتي " / وماذا عن شبكة علاقاتهن الاجتماعية ..

يعتبر نسق العلاقات الإجتماعية لدى المرأة في قريتي من الأنساق التي أصابها التغيير نتيجة للمتغيرات المجتمعية وتطور المجتمع مع تقادم السنوات، حيث كانت في تلك الأزمنة ( زمن جداتنا وأمهاتنا ) تحكي عن علاقاتهن القوية ، فكما قالت لي الإخبارية أم السادة - أيام زمان كان الناس بسطاء حيث كانت البيوت مفتوحة للقاصي والداني ، كانت العلاقات قوية بين الناس عموماً وبخاصة الجيران وكل ما عند الجار يعلم به الجيران الآخرين ،أما النساء كن يساعدن بعضهن البعض ، فعندما تنتهي المرأة من أعمالها المنزلية كانت تقوم بمساعدة جاراتِها، وتواصل أم السادة حديثها بالقول بأن نساء القرية كن يزرن بعضهن بعضاً في مختلف المناسبات وفي سائر الأيام إلا أن ذلك قد تغير فـ نساء هذه الأيام لا يزرن بعضهن إلا في المناسبات .

أما الإخبارية الحاجة أم عبدالله تقول بأن مساعدة الجارات لبعضهن البعض شيء بديهي ، وتواصل الحديث بالقول إن هناك من الجارات من تحرص على أن تأتي لمساعدتها في الغسيل والطبخ الخ ، لأنها كانت أي ( الحاجة أم عبدالله ) في النفاس بعد أن أنجبت توأم ، وتقول بأن تلك الجارات هن من ربين أبناءها .

ومن سردنا لحديث الإخباريتين ( أم السادة – أم عبدالله ) ، نجد أن العلاقات الإجتماعية في هذا الزمان كم هي مختلفة عما تحكيه لنا تلك النسوة فأين كنا وأين أصبحنا ، كنا في شبكة للعلاقات الإجتماعية الحميمة القوية ( معاظدة – مساعدة – تضامن ) تلك هي علاقتهن الإجتماعية التي كانت قوية ومتماسكة بحيث أصبح الجار أكثر قيمة وألفة ومحبة من الأهل والأقارب ، لكن أين حطت بنا الرحال .. إلى زمن تقلصت وتراجعت فيه تلك العلاقات الإجتماعية بحيث أصبح الجار لا يعلم بحال جاره وأصبح الجار لا يرى جاره إلا فيما ندر ، أصبحت النساء مشغولات بأعمالهن وتربية أبناءهن وعلاقاتهن الأسرية الضيقة بعيداً عن أي علاقات قرابية أو جيرة الخ .

هذه التحولات في نمط العلاقات الإجتماعية عما كانت عليه لدى جداتنا وأمهاتنا كانت بسبب تحولات كبيرة في الكيفية التي تعيش عليها العوائل الكرزكانية قديماً وحديثاً ، بالنسبة لتلك الأزمنة كان نمط العيش لدى العوائل يتماشى مع تلك العلاقات نوعاً ما فتلك الأسر ( أسر ممتدة ) بالإضافة إلى التصميم العمراني لتلك البيوت ( المفتوحة - حوش ) والسور المشترك مع الجيران والمنخفض نوعاً ما وحتى طريقة الأبواب ، كل تلك الأمور كانت تتماشى مع منظومة العلاقات الإجتماعية تلك، وتعمل بشكل أو بآخر على توطيدها واستمرارها . بالإضافة إلى المصيف ( أو ما يعرف بالمظاعن ) والتي يقصدها الأهالي للعيش فيها ومنهم النسوة لمدة قد تقارب 3-4 أشهر ، في تلك المظاعن تتنامى علاقاتهن الإجتماعية وتتكون بينهن الصداقات و تتعارف العوائل فيما بينها ، كل تلك الأمور ساهمت بشكل أو بآخر في تعاظم العلاقات الإجتماعية بين تلك النسوة في تلك الأزمنة .

أما في هذا الزمان والذي يعيش حالة من التمدن ، فإن نمط تكوين الأسرة قد اختلف تماماً عما كان عليه وأصبحت الأسرة بسيطة حيث الوالدين والأبناء فقط ، وعندما يكبر هؤلاء الأبناء سوف يذهبون لسكن مستقل ، بالإضافة إلى الهندسة العمرانية المغلقة للبيوت والتي أصبحت بشكل يمنع حتى سماع صوت الجار ، وأصبحت تلك البيوت بأبواب محكمة بحيث لا يستطيع أي شخص اقتحامها ولو كان جار أو مقرب إلى أن يأذن له صاحب المنزل المقصود ، بالإضافة إلى انشغال النساء في أعمالهن ، وكثرة المسئوليات الخ ، كل ذلك منع هذا النوع من العلاقات أن تستمر على ما كانت عليه .

ولكن هناك ما تتميز به نساء قريتي إلى يومنا هذا هو حضورهن المكثف في التعزية ( الفاتحة ) عند فقد أياً كان من أهل القرية ، بل ووقوفهن المستمر بجانب عائلة المتوفى ( وفي هذا السياق نجد حرص المرأة في القرية على لبس الملابس السوداء أثناء التعزية والذي قد يصل إلى 40 يوماً ) .

لبس السواد هنا - يعتبر نوع من التعاضد والمواساة لأهل الفقيد ( خصوصاً من قبل الأهل والجيران ) وهذا ما لا نجده في القرى الأخرى ، هذه العادة ظاهرها سلبي وباطنها إيجابي ، إلا أن ذلك التعاضد لا نراه في مناسبات الزواج كما كان سابقاً ، حيث أصبحت حفلات الزواج مقتصرة على المقربات جداً في معظم الأحيان إلا ما ندر .

ختاماً أقول إن تراجع شبكة علاقاتنا الإجتماعية هو نتيجة حتمية لحالة التمدن الوهمي التي نعيشها في هذا المجتمع .

مقتطفات من كتاب المرأة في قريتي - دراسة اثنوجرافية في قرية بحرينية / أمينة الفردان ..

هناك 9 تعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

    أشكرك أختي أمينة على هذه المقالات الرائعة ...

    واما بالنسبة للموضوع تواصل النساء ببعضهم البعض بات في الزمن الحالي شبه منعدم .. اتذكر ايام طفولتي عندما استيقض من نومي ارى نساء القرية جيراننا بالتحديد يزورون امي في كل يوم ويساعدنها في شؤون البيت وبعد الإنتهاء من اعمال البيت يجلسون ويمزحون مع بعضهم البعض ويخرجون من المنزل وهم مسرورين ... اما الآن كل شيء تغير .. العلاقات الإجتماعية في قريتي مع بعضها البعض شبه معدومه الرجال و النساء .. وحتى في شهر رمضان المبارك .. في السابق عندما نذهب إلى مجالس القرآن في البيوت مجد زحمة من الناس و الآن شخص واحد إلى 3 اشخاص بالكثير في المجلس الواحد ..

    ردحذف
  2. نعم تراجع العلاقات الاجتماعية هو من وهم البعض والتفكير العقيم بان العائلة هي فقط الزوجة والاولاد ، بل بالعكس العائلة الصحيحة هي المجتمع والمتمثلة بالقرية ، والأهل ( الاقارب ) والعائلة الصغيرة ( الزوجة والاولاد) ويجب الترابط بين هؤلاء جميعا والاسلام اوصانا بالتعاضد والترابط لكي نكون خير امة اخرجت للناس. شكرا لك سيدتي على ما تكتبيه من واقع نعيشه ويجب تداركه 

    ردحذف
  3. تسلمين على الموضوع الراقي فعلا نرى انعدام العلاقات الاجتماعيه في مجتمعاتنا في هذه الايام

    تحياتي لكاتبه الموضوع اخوكم
    سيدحسن الموسوي

    ردحذف
  4. تسلم الايادي اختي على هذا الموضوع... ابدعتي

    ياااااليت الزمن يرجع لكانت الامور على احسنها

    والنفوس صافية ونظيفة

    بس للأسف الماضي لايعود

    ردحذف
  5. أبارك لك هذه الروح الثقافية والموسوعة الجميلة :)
    ماشاء الله تطورت المدونة اختي امينة من حيث الشكل بصورة أكبر
    أهنئك

    ردحذف
  6. العلاقة تغيرت لكون التأثير المادي على القلوب وبشكل واقعي له مردوده .. حيث ان الطبقية وسطوتها والتدين وملازماته صنع هذا الجفاء ... karzakkan33

    ردحذف
  7. تهنئة عيد الفطر المبارك:
    نتقدم اليكي باسمى آيات التبريك وازكى الدعوات واحر التهانى وارق الامنيات بحلول عيد الفطر السعيد لعام 1431ه-2010م.
    اعاده الله سبحانه عليكم جميعا بالمحبة والود والالفة والسداد واليمن والبركات وتقبل الله صيامكم وقيامكم واعمالكم وغفر ذنوبكم وعفى عن تقصيركم ودفع عنكم كل مكروه... سائلينه سبحانه وتعالى ان يعم الامن والسلام والرخاء على البشرية جمعاء وان يسدد خطاها انه سميع مجيب الدعاء..

    ردحذف
  8. انهئكي جارتي العزيزة على هذا المقال الرائع والى الامام دائما
    تمنيات لك بحياة عامرة بالنجاح والاجتهاد
    جارتك ام محمد

    ردحذف
  9. التواصل بين الجيران او اهالي القرية لم ينعدم وخصوصا بالقرى التي تجمعها وحدتها .. ربما الزمن تغير ومطالبه لم يعد الزمن يستطيع على تلبيتها .. ولكن ما زالت القرية بمسماها الصغير تختلف عن المدينة وتحتفظ ولو بجزء صغير من عاداتها وتقاليدها .. تحياتي لك امينه

    ردحذف

التعليقات لا تمثل بالضرورة رأي صاحبة المدونة .