الاثنين، 2 أغسطس 2010

مقتطفات من دراسة المرأة في قريتي " قيد النشر " .. الحجاب بين الحداثة والإنتكاسة ..

كثيرة هي التغيرات التي طالت الكثير من الجوانب في هذا المجتمع ، و من أهمها " الحجاب " ، فعندما تسترجع جداتنا شكل الحجاب المتداول بين الشريحة النسوية في ذلك الزمان تقول : بأن الحجاب كان عبارة عن ملفع و ثوب و مقنعة للنساء ومشمر وثوب لمكننه للشابات (والثوب لمكننه عبارة عن لباس تقليدي مصنوع من الوايل الخفيف ترتديه الشابات مع الدشداشة وتقوم برفع طرفيه لتغطية الشعر ) و أخيراً البخنق للفتيات ، فالأعراف والتقاليد المجتمعية كانت قائمة على أساس ذلك " وبالتالي كان هذا هو نمط الحجاب آنذاك ، وفيما بعد دخلت العباءة إلى القرية بدءًا بالميسورات إلى أن انتشرت ، وفي البداية كانت النسوة يرتدينها " خارج القرية مع الغشواية ، وهذا ما قالته الكثير من الإخباريات .
و على الرغم من انتشار العباءة إلا أن الحجاب المتعارف عليه لدينا - وهي قطعة القماش التي تستخدم لتغطية شعر المرأة - لم تظهر إلى النور بعد .
وظل الأمر على ما هو عليه حتى مع خروج الدفعة الأولى لتلقي التعليم في مدرسة فاطمة بنت أسد ، حيث كانت الطالبات في ذلك الوقت يرتدين " العباءة " بدون حجاب وعندما يصلن إلى المدرسة " يخلعنها " أي العباءة .

إلى أن وقعت حادثة في أحد السنوات ، كما تقول الإخبارية فاطمة ابراهيم : عندما كنت في الصف الخامس الإبتدائي وفي أحد الأيام جاء عدد من الرجال " الإنكلنيز " لتدريبنا في حصة الرياضة ، وصادف في ذلك اليوم زيارة أحد الرجال من القرية إلى المدرسة " ليشاهدنا بدون حجاب مع الرجال الإنكلنيز " فانتشر الخبر بين الأهالي وبالتالي منع الأهالي بناتهم من الذهاب للمدرسة بينما حرم البعض بناتهم من التعليم كلياً ، أما أنا كما تقول فاطمة فجلست أسبوع في المنزل بناءً على طلب أخي الذي أقنعني بارتداء الحجاب بعد أن ذهب إلى مديرة المدرسة والإتفاق معها على ذلك ، بينما ظلت جميع فتيات القرية بدون الحجاب " لأن المديرة لم تسمح لهن بارتداءه ، وفي السنة اللاحقة ارتدت جميعهن الحجاب " وهن بالصف السادس " .
وفي تلك السنة كما تقول كاظمية أحمد : أطلق علينا الأهالي بــ " رعاة العمائم " ، لأنه " أي الحجاب " كان لونه أبيض شبيه بعمامة عالم الدين، وبدايةً كما تقول كاظمية : كنا نربطه أسفل الذقن .
ومع ذلك ظلت بقية النساء في القرية " يرتدين المشمر والعباءة بدون حجاب " إلا أن ظهر الحجاب على شكل " قبعة " تغطي الشعر فقط بدون الرقبة كما تقول الإخبارية " زينب محمد عبدالنبي ، ومع ظهور هذا النمط من الحجاب " القبعة " أخذت النسوة ترتدينه مع العباءة " . وفيما بعد انتشر الحجاب تدريجياً خصوصاً مع ذهاب الكثير من فتيات القرية للتعليم في المدرسة الدينية " جمعية التوعية " والتي عملت بشكل أو بآخر على انتشار الحجاب بين فتيات القرية ، و كان لقيام الثورة الإسلامية في إيران الأثر الكبير في تنامي مفهوم الحجاب ، حيث استطاع الرجال القائمين على التوعية الدينية أنذاك استقطاب الشريحة النسوية المثقفة والمتعلمة " من الدفعة الأولى " من أجل تدريبهن على التعليم الديني لنسويات القرية عموماً بدءاً بالأمور الفقهية والعقائدية من أجل تهيأتهن " لموضوع الحجاب الإسلامي والشرعي " ، وكما تقول " الإخبارية زينب محمد عبدالنبي " إن النساء أصبحن يقبلن على الندوات والمحاضرات الدينية " وهن يرتدين الحجاب الإسلامي " ، وتواصل حديثها بالقول منذ بداية الثمانيات حتى نهايته برزت الغشواية بشكل متنامي وواضح جداً بين نساء القرية وشاباتها . و في هذه الفترة ظهر شكل آخر للحجاب " حجاب به خيطان يتم ربطهما أسفل الشعر " أعلى الرقبة من الخلف " بينما يتم ربط طرفي الحجاب من أسفل الذقن و هذا الحجاب بطبيعته لا يسمح بأن ينكشف الشعر بتاتاُ

وفي التسعينات تراجع ارتداء النسوة للغشواية أو البوشية ، إلا أن ظهرت بوادر قليلة جداً لظهور البالطو الملون أو الأسود " نتيجة لخروج الكثير من الشابات للعمل ، ومع ذلك بقي ارتداءه محصور في مكان العمل فقط ، إلا أن ظهرت حالات هنا وهناك " بسيطة نوعاً ما " ، وظل محدود الإنتشار .

وفي بداية الألفين حدث تغير كبير في ارتداء بعض الشابات و النسوة " للبرقع " الذي يكشف العينين والذي كان متعارفاً عليه سابقاً بأنه لباس " النساء من المذهب السني " و واكب ذلك تغير آخر يتعلق بـ نمط الحجاب و شكل العباءة ، حيث اندفعت الكثير من الشابات والفتيات في بداية الأمر من أجل التخلي من جديد عن العباءة " الدفة " واستبدالها بالجلباب أو البالطو بتصاميمه المتنوعة ، وفي نفس الوقت استبدال الحجاب الذي ظل متعارفاً عليه " مدة طويلة " إلى الشيلة " الشبيهة بالملفع التي ترتديه النسوة الكبيرات في السن ، وفيما بعد ظهر الإختلاف بينهما في نوعية القماش والكريستالات والخرز والألوان والتطريزات أيضاً .
وقد استمر التغيير والتبدل في شكل الحجاب بوتيرة سريعة جداً ولم يتوقف للحظة ، فقد لاحظنا في السنوات الثلاث الأخيرة أن الحجاب أصبح يتناغم مع حالة جديدة ظهرت مؤخراً " وهي حرص الفتيات على إظهار شيء من جمالهن من خلال هذه العباءة و من خلال الحجاب أيضاً ، فالحجاب ووفق المتغيرات والتحولات الكبيرة والتي تعتبر جذرية في مجملها " أصبحت شيلة " منتفخة أو مرتفعة في الجوانب " بإتجاه الخدين " نتيجة لإستخدام ربطة شعر " كبيرة جداً " توضع في أعلى الرأس ليصبح رأس الفتاة " بحجم رأسين " وبهذه الطريقة يخرج بعضاً من شعر الفتاة " بقصد أو بدون قصد " بالإضافة إلى بروز الرقبة وهي تشع رونقاً وجمالاً ." وقد وصل الأمر عند البعض للتخلي عن الجلباب أو البالطو أيضاً .
و أخيراً ظهر شكل آخر من أشكال الحجاب ، وهو حجاب شبيه بالقبعة يتم ربطه على جانب واحد " بجانب الأذن " ليعطي رونقاً خاصاً وهذا الحجاب على الطريقة المصرية بحيث يغطي الشعر فقط ، بينما يكشف الرقبة بالكامل خصوصاً أن هؤلاء لا يرتدين العباءة " الدفة " ولا الجلباب أو البالطو أيضاً . وباسترجاع بدايات الحجاب في القرية- نجد أن هذا الشكل " أي القبعة " ظهر قديما ًمع انطلاق البدايات الأولى للحجاب إلا أن النسوة أنذاك كن يرتدينه " أسفل العباءة " أي أن العباءة كانت تستر الشعر ، وعلى الرغم من أن النوع الأخير لا زال محدود " حالات فردية " إلا أنه من المتوقع أن ينتشر كمثيلاته من الموضات السابقة له .
ومن الأمور التي رافقت ذلك إهتمام بعض الشابات والفتيات " بوضع المكياج أثناء خروجهن من المنزل " ، من أجل إبراز جمالهن أكثر وهذا الأمر لم نكن نراه في السنوات السابقة .

إذاً من خلال تتبعنا للتبدلات والتحولات التي طالت الحجاب منذ بدء إنطلاقته الأولى إلى يومنا هذا ، نجد أن الإختلاف يكمن في أن الأجيال القديمة " كانت تتصرف وفق اللا وعي " وبعدها " و في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي أخذن يتصرفن وفق " الوعي الديني " وهذا ما انعكس على شكل حجابهن ، إلا أنه في السنوات الأخيرة أخذ بعض النساء يتصرفن وفق " الوعي و اللا وعي في آن واحد " و أيضاً وفق الحداثة والإنتكاسة في آن واحد ، حيث نجد البعض من النساء من أخذن يلهثن وراء الموضة و الحداثة بسلبياتها إلى أن أصبحن في زمن ما بعد الحداثة أي " الرجوع إلى الخلف و الإنتكاسة " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات لا تمثل بالضرورة رأي صاحبة المدونة .